الثاني: إذا لم يكن الضمان مشروطاً في القسمة، إنما شرطوا بعد ذلك، والحكم فيه أنه إن ضمن بشرط أن يرجع في التركة لم تكن القسمة نافذة على معنى أن له أن ينقضها؛ لأنه قام مقام الغريم، وإن ضمن على أن لا يرجع في التركة بشيء، وعلى أن يبرأ الغرماء الميت، فهذا جائز إن رضي الغرماء بضمانه وإن أبوا أن يقبلوا ضمانه فلهم نقض القسمة؛ وهذا لأنه لما شرط في الضمان أن يبرئ الغريم الميت صارت الكفالة حوالة تخلف التركة عن الدين، والمانع من لزوم القسمة قيام التركة في الدين وإن لم يشرط، وعلى أن يبرئ الغريم الميت لا تنفذ القسمة وإن رضي الغرماء؛ لأنه يبقى كفالة فلا تخلوا التركة عن الدين.
وإذا ادعى بعض الورثة دينا في التركة بعد تمام القسمة صح دعواه وله أن ينقض القسمة، أما صحة دعواه لأنه لو لم تصح أنها لا تصح لكونه متناقضاً بإقراره بصحة القسمة، ويكون المقسوم ملكاً للميت يقتضي الإقرار على القسمة ولا تناقض؛ لأن الدين لا يمنع صحة القسمة، ولكن يثبت للغريم حق النقض، وكذلك لا ينافي ملك الميت لأن ملك الميت باق بعد الدين، وأما له أن ينقص القسمة؛ لأن المانع من نفاذ القسمة ولزومها الدين، والدين بالقسمة لا يتحول إلى محل آخر، فكان المانع قائماً فيبقى المنع.
ألا ترى أنه لو أجاز القسمة ثم أراد أن ينقصها فله ذلك، وهذا بخلاف لو بيع بالدين فأجاز فإنه تعمل إجازته؛ لأن المانع من اللزوم يزول؛ لأن حقه يتحول من العين إلى الثمن، ولو كان ادعى عيناً من أعيان التركة أنه له اشتراها من الميت أو وهبه الميت له وسلمه إليه، وكان ذلك بعد تمام القسمة لا تسمع دعواه لمكان التناقض؛ لأنه بالإقدام على القسمة أقر بصحة القسمة في هذا العين، ويكون هذا العين متروك الميت ميراثاً لهم، وبدعواه بعد ذلك لنفسه يدعى فساد القسمة في هذا العين، ويدعى أنه ليس بميراث لهم وهذا تناقض ظاهر.
ولو ادعى أحد (٩أ٤) الورثة بعد تمام القسمة أن الميت أوصى لابنه الصغير بثلث ما له لا تسمع دعواه؛ لأنه صار متناقضاً بدعوى فساد القسمة بعد ما أقر بصحتها، ولو كبر الابن، وادعى الوصي بالثلث لنفسه، وأقام البينة سمعت بينته؛ لأنه لا تناقض منه.
وإذا ادعى أحد الورثة بعد تمام القسمة على قدر ميراثهم عن أبيهم أن أخاً له من أبيه وأمه ورث أباهم معهم، وأنه مات بعد أبيهم فورثه هو، وأراد ميراثه لا تسمع دعواه لمكان التناقض؛ لأنه بالإقدام على القسمة على مقدار ميراثهم عن أبيهم صار مقراً بأن حقه في مقدار معين، وبدعواه الثاني بعد ذلك ادعى أن حقه أكثر من ذلك القدر فهذا تناقض ظاهر.
إذا كانت الأراضي ميراثاً بين ثلاثة نفر عن أبيهم، مات أحدهم وترك ابناً كبيراً، فاقتسم هو وعماه الأراضي على ميراث الجد، ثم إن ابن الابن أقام بينة أن جده أوصى له بالثلث وأراد إبطال القسمة لم تسمع دعواه لمكان التناقض.