وأما بيان حكم الإجارة فنقول: حكم الإجارة وقوع الملك في البدلين كما في بيع العين يقع معاً كما فرعا من العقد إلا لمانع، وفي الإجارة يقع الملك في البدلين ساعة فساعة عندنا، لأن المعاوضة تقتضي التساوي لأن الظاهر من حال العاقدين أن لا يرضيان بالتفاوت، والملك في المنفعة يقع ساعة فساعة على حسب حدوثها فكذا في بدلها وهو الأجرة، وهذا لأن حكم العقد مبني على انعقادها والعقد ينعقد على المنفعة شيئاً فشيئاً على حسب حدوثها، لأن المنافع فيما يستقبل معدومة حالة العقد.
وشرط انعقاد العقد في حق الحكم إضافته إلى محل موجود، والأصل أن الشروط إذا تعذر اعتبارها إما أن يسقط اعتبارها، أو يقام غيرها مقامها كما في حق النائي عن الكعبة أقيمت جهة الكعبة مقام عين الكعبة وكما في حق عادم الماء أقيم التيمم مقام الماء، فكذا هاهنا محل المنفعة وهو الدار مقام المنافع في حق إضافة العقد إليها، ثم العقد في المنافع ينعقد ساعة فساعة على حسب حدوثها وهذا كله مذهبنا، وينبني جواز الإجارة على مذهبنا انعقاد العقد فيما بين المتعاقدين، وهو الدرجة الأولى وانعقاده في حق الحكم وهو الدرجة الثانية.
ألا ترى أن البيع بشرط الخيار ينعقد فيما بين المتعاقدين ولا يعد الحكم في الحال، وتفسير انعقاد العقد في حق المتعاقدين أن يصير كلاهما.... وبعد الحكم في الثاني وكونه سبباً صفة للكلام والكلام مفتقر إلى وجود المتعاقدين لا إلى المحل.
وتفسير انعقاد العقد في حق الحكم في المحل لا بد له من المحل ومحل الحكم وهو المنافع معدومة في الحال فلأجل ذلك قلنا: لأن الإجارة في الحال غير منعقدة في حق الحكم بل هي تنعقد في حق المتعاقدين (١٤أ٤) كالمضاف إلى وقت وجود المنفعة والمنعقد غير والمضاف غير.
ألا ترى أن من نذر وقال: لله علي أن أتصدق بدرهم يكون ناذراً في الحال ويلزمه ذلك، ولو قال: لله علي أن أتصدق يوم الخميس بدرهم لا يكون ناذراً في الحال بل يكون مضيفاً النذر إلى يوم الخميس كذا هاهنا العقد في حق الحكم مضاف إلى وقت وجود المنفعة، وليس بمنعقد في الحال أكثر ما فيه أن الصيغة مرسلة، إلا أنها مرسلة صورة أما مضافة معنى، وهذا لأن الأجر بعقد الإجارة تملك المنفعة لأن الإجارة لتمليك المنفعة وصار تقدير هذا العقد: ملكتك منافع هذه الدار والمنافع معدومة للحال فكان العقد مضافاً إلى وقت وجود المنفعة.
إذا ثبت هذا فنقول: إضافة العقد إلى زمان يستدعي وجود المحل في ذلك الزمان، أما لا يستدعي وجوده في الحال إذا ثبت أن الملك في المنافع يقع ساعة فساعة على حسب حدوثها فكذا في بدلها وهو الأجرة تحقيقاً للتساوي بين المتعاقدين على ما مر.
ومما يتصل بهذا الفصل بيان ما يصلح أجرة وما لا يصلح.