إجارة الأرض. يجب أن يعلم بأن الأجرة لا تملك بنفس العقد ولا يجب إيفاؤه إلا بعد استيفاء المنفعة إذا لم يشترط التعجيل، والأجرة سواء كانت الأجرة عيناً أو ديناً.
هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» وفي كتاب «التحري» ، وذكر في الإجارات أن الأجرة إذا كانت عيناً لا تملك بنفس العقد، وإن كانت ديناً تملك بنفس العقد وتكون بمنزلة الدين المؤجل، عامة المشايخ على أن الصحيح ما ذكر في «الجامع» ، وفي كتاب «التحري» ، وبعضهم قالوا: ما ذكر في الإجارات قول محمد أولاً، وما ذكر في «الجامع»«والتحري» قوله آخراً، وهذا لما ذكرنا أن الإجارة عقد معاوضة فتوجب المساواة بين المتعاقدين ما أمكن ما لم يغير بالشرط، كما في بيع العين.
ومتى قلنا إنه يجب إيفاء الأجر قبل استيفاء المنفعة تزول المساواة، ويفضل المؤاجر على المستأجر؛ لأن المؤجر يملك الأجرة بالقبض رقبة وتصرفاً، والمستأجر إن ملك المنفعة بقبض المستأجر تصرفاً لم يملك رقبة لما ذكرنا أن وقوع الملك في المنفعة يتأخر حال وجودها.p
فلهذا قلنا: إن إيفاء الأجر يتأخر إلى ما بعد استيفاء المنفعة، وإذا ثبت أن إيفاء الأجر إنما يجب بعد استيفاء المنافع عندنا فنقول: كان أبو حنيفة أولاً يقول: لا يجب إيفاء شيء من الأجر إلا بعد استيفاء جميع المنفعة سواء كانت الإجارة معقودة على المدة كما في إجارة الدار والعبد، أو على قطع المسافة كما في كراء الدابة إلى مكان، أو على العمل كما في القصار والخياط والصباغ، فهو قول زفر ثم رجع.
وقال: إن وقعت الإجارة على المدة كما في إجارة الأرض والدواب والعبد، أو على قطع المسافة كاستئجار الحمال والدابة، فإنه يجب إيفاء الأجر بحصة ما استوفى إذا كان لما استوفى حصة معلومة من الأجر ففي الدار يوفي أجر يوم فيوم، وفي قطع المسافة إذا سار من حلة من حلة يجب عليه حصة ما استوفى.
قال القدوري: وهو قول أبي يوسف ومحمد وفي الإجارة التي تنعقد على العمل ويبقى له أثر في العين، فإنه لا يجب عليه إلغاء الأجر إلا بعد إيفاء العمل كله وإن كان حصة ما استوفى معلومة إلا أن يكون يعمل الخياط والصباغ في بيت صاحب المال يكون الجواب فيه كالجواب في الحمال على قوله الأجر، يجب على المؤجر إيفاء الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة إذا كان له حصة معلومة من الأجر كما في الحمال.
فوجه قوله الأول: أنه ثبت من أصلنا أن إيفاء الأجر لا يجب إلا بعد استيفاء المنفعة، والأصل أن إيفاء أحد البدلين في العقد إذا كان لا يجب إلا بعد استيفاء البدل الآخر، فإنه لا يجب إيفاء شيء منه إلا بعد وجود استيفاء جميع البدل، كما في باب البيع فإنه لما وجب تسليم البيع بناء على إيفاء الثمن لا يجب تسليم شيء من المبيع قبل إيفاء جميع الثمن كذا هاهنا.
وجه قوله الآخر: أن القياس في باب البيع أن يجب على البائع تسليم المبيع بقدر ما استوفى من الثمن، حتى يستويا في ملك التصرف لأن المعاوضة تقتضي التساوي في