المسألتين جميعاً وقد استويا في ملك الرقبة فيجب أن يستويا في ملك التصرف، لا أنا تركنا هذا القياس في بيع العين لما فيه من معنى الرهن وهو حبس المبيع بالثمن، وحكم الرهن حبس الرهن بالدين، ومن حكم الرهن أن لا يجب على المرتهن تسليم شيء من الرهن ما لم يوجد إيفاء جميع الدين فتركنا هذا القياس في البيع لما فيه من معنى الرهن.
وهذا المعنى لا يتأتى في كل إجارة ليس للمؤاجر حق الحبس بعد الفراغ من العمل وبعد إيفاء المنفعة لأن معنى الرهن إنما يثبت بثبوت حق الحبس للمؤاجر فكل إجارة ليس للمؤاجر فيها حق الحبس، كانت العبرة الحقيقة القياس.
وحقيقة القياس أن يستويا في ملك الرقبة وإنما يستويا في ملك الرقبة إذا وجب إيفاء الأجر بقدر ما يستوفي من المنفعة كان القياس أن يجب إيفاء الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة، وأن قل ذلك حتى يستويا لكن تركنا القياس في القليل لأنه لا يعرف حصته من الأجر، وفيما لا يعرف حصته من الأجر أخذنا بالقياس وفي كل إجارة للمؤاجر حق الحبس حتى يثبت فيه منفعة الرهن كان بمعنى البيع.
وفي باب البيع إذا وجب (١٤ب٤) تسليم المبيع بناء على إيفاء الثمن يعين وجوب التسليم بإيفاء جميع الثمن، ولا يجب تسليم شيء منه بإيفاء بعض الثمن فكذا في إجارة البيت للأجير حق الحبس وإيفاء الأجر في الإجارة بناء على إيفاء العمل، فيعلق إيفاء الأجر بإيفاء جميع العمل ولم يجب بإيفاء البعض.
وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: فيمن استأجر داراً يسكنها شهراً قال: لا يلزمه شيء من الأجر حتى يستكمل سكنى الشهر، وهو قياس ما لو استأجر حمالاً ليحمل له شيئاً من السوق إلى منزله فإنه لا يلزمه شيء من الأجر حتى تبلغ الحمولة إلى منزله، وكان القياس فيما إذا تكارى دابة إلى مكة بكذا، ولكن استحسن وقال: إذا سار نصف الطريق أو ثلثه لزمه التسليم بحساب ذلك.
قال القدوري: وهو قوله الآخر، وإذا شرط في عقد الإجارة تعجيل البدل وجب تعجيله، لأنه بدون الشرط إنما لا يجب تحقيقاً للتساوي، فإذا شرط التعجيل فقد أبطل التساوي، وإنه مما يقبل البطلان فيبطل.
ألا ترى أن في باب البيع وجب نقد الثمن قبل تسليم المبيع تحقيقاً للتساوي، ثم لو باع بثمن مؤجل يجب تسليم المبيع، لأنه أبطل التساوي، قال: وللمؤاجر حق حبس المنافع إلى أن يستوفي الأجر، لأن المنافع بمنزلة المبيع فكان له حبسها بما يقابلها من البدل كما في البيع، وله حق فسخ العقد إن لم يعجل، وكذا إذا عجل الأجرة من غير شرط ملكها؛ لأنه إذا عجل فقد أبطل ما يقتضيه مطلق العقد وذلك يحتمل البطلان، لأنه أثبت حقاً له وكما يجب الأجر باستيفاء المنافع يجب بالتمكن من استيفاء المنافع إذا كانت الإجارة صحيحة، حتى إن من استأجر داراً أو حانوتاً مدة معلومة ولم يسكن فيها في ذلك المدة مع تمكنه من ذلك يجب الأجر ولو لم يتمكن من السكنى بأن منعه المالك أو أجنبي لا تجب الإجارة.