وفيه أيضاً: رجل استأجر حياتاً وكيزاناً وقال له المؤاجر: ما لم تردها علي صحيحة، فلي عليك كل يوم درهم فقبضها قال: الإجارة في الحيات فاسدة وفي الكيزان جائزة، يريد به إذا سمى للحيات أجراً معلوماً، وسمي للكيزان أجراً معلوماً فيجب للكيزان المسمى وفي الحيات أجر المثل، وإنما فسدت الإجارة في الحيات؛ لأن لها حمل ومؤنة وما له حمل ومؤنة فاشتراط رده على المستأجر يوجب فساد الإجارة.
وأما الكيزان فليس لها حمل ومؤنة فاشتراط ردها على المستأجر لا يوجب فساد الإجارة؛ لأن اشتراط ردها يقع لغواً؛ لأنه لا يجري فيه المماكسة إذا لم يكن له حمل ومؤنة.
وقيل: بفساد الإجارة في الكيزان أيضاً لأن رد المستأجر على الأجير على كل حال فاشتراطه على المستأجر اشتراط ما لا يقتضيه العقد ولأحد المتعاقدين فيه منفعة لأنه تجري المماكسة في حمل الكيزان وردها خصوصاً إذا كثرت، وقيل: لا تفسد الإجارة في الكيزان إلا إذا علم أن لها حمل ومؤنة تجري المماكسة في حملها ونقلها.
وفي «الأصل» رجل يكاري من رجل داراً منه على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، فإن رضيها أخذها بمئة درهم وإن لم يرضها أخذها بخمسين درهماً، فذلك فاسد لوجهين: أحدهما أنهما صفقتان في صفقة أو شرطان في عقد واحد، وكل ذلك لا يجوز والثاني أن الأجر مجهول، فإنه مئة إن رضيها وخمسون إن لم يرضها ولا يدري أيرضاها أو لا يرضاها.
فرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذه المسألة وبينما إذا استأجر منزلاً على أنه إن قعد فيه خياطاً فأجره كل شهر عشرة، وإن قعد فيه حداداً أو قصاراً أو طحاناً فأجر كل شهر عشرون فإن الإجارة جائزة على قول الآجر، وهنا قال: لا يجوز.
والفرق: أن هناك الإجارة وقعت على منفعتين مختلفتين، وسمي لكل واحدة بدلاً معلوماً وشرط لنفسه الخيار وهذا جائز في بيع العين، فإنه لو اشترى عبدين على أنه بالخيار، إن اختار هذا أخذه بألفين وإن اختار هذا أخذه بألف فهو جائز، وكذلك في الإجارة فإنه إذا دفع إلى خياط ثوباً على أنه إن خاطه رومياً فله درهم، وإن خاطه فارسياً فله نصف درهم، فذلك جائز فكذا هاهنا.
أما في هذه المسألة أوقع العقدين على صفقة واحدة ببدلين مختلفين على أنه بالخيار.
ومثل هذا لا يجوز في بيع العين فإنه لو اشترى عبداً على أنه بالخيار إن رضيه أخذه بألف درهم وإن لم يرضه أخذه بخمسمئة كان العقد فاسداً، فكذا في بيع المنفعة فإن سكنها وجب عليه أجر المثل في ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام أما بعد ثلاثة أيام فلأنه سكنها بحكم العقد، وأما في ثلاثة أيام؛ فلأن الفاسد من المعقود معتبر لتصبح الإجارة صحيحة، وللمستأجر فيه خيار إذا سكنها في الأيام الثلاثة وجب عليه الأجر وكانت السكنى منه دليل الاختيار كذا إذا كان فاسداً ولا يضمن ما انهدم من سكناه لا في مدة