ولو استأجر أرضاً ثم دفعها إلى صاحبها مزارعة إن كان البذر من قبل رب الأرض لم يجز وهذه مناقضة، وإن كان البذر من قبل المستأجر جاز.
أما الكلام في فصل الإجارة والإعارة بناء على أنه لا جواز للإجارة الثانية والعارية إلا بعد فسخ الإجارة الأولى فيتضمن إقدامها على العقد الثاني فسخاً للأول، وأما الكلام في المزارعة؛ فلأن البذر إذا كان من قبل رب الأرض فهو مستأجر الأرض فيتضمن إقدامه عليه فسخاً للإجارة الأولى.
وذكر ابن رستم في «نوادره» عن محمد: أنه لا يجوز دفع الأرض المستأجرة مزارعة إلى رب الأرض سواء كان البذر من جهه رب الأرض أو من جهة المستأجر، ولو استأجر رب الأرض بالدراهم ليعمل في الأرض جاز.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل استأجر من آخر داراً أو أرضاً وزاد المستأجر فيها بناء ثم أجرها من الآخر أو أعارها منه كان هذا نقصاً للإجارة الأولى.
قال في فصل الإجارة: في «نوادر ابن سماعة» وعلى رب الدار حصة بناء المستأجر من الأجر. قال الحاكم الشهيد رحمه الله وهذه المسألة دليل على جواز إجارة البناء وحده.
وفي «فتاوى الفضل» استأجر من رجل داراً إجارة طويلة، ثم أجرها من الآخر مشاهرة لا تصح الإجارة الثانية وما أخذه المستأجر الأول من الآخر الأول فهو محسوب من رأس المال، والإجارة الأولى تنتقض في الشهر الأول من الإجارة الثانية، فأما فيما بعد الشهر الأول شك الفضل رحمه الله في انتقاضها؛ لأن الإجارة الثانية وقعت على شهر واحد، ثم قال: كلما دخل شهر بعد شهر يجب أن تنتقض الأولى؛ لأنه كلما دخل شهر انعقدت الإجارة الثانية.
وهكذا قال القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله، وجعله نظير ما باع ثم باع فإن الثاني يفسخ الأول كذا هاهنا، فقيل لركن الإسلام: هذا ليس نظير ما لو باع ثم باع؛ لأن هناك كل واحد من البيعين صحيح فجاز أن ينفسخ الأول بالثاني، وهاهنا الإجارة الثانية فاسدة فكيف تنفسخ الأولى بالثانية فأشار وركن الإسلام إلى أنه يجوز أن يقع العقد فاسداً ويوجب انتقاض عقد وقع صحيحاً.
فقال: ألا ترى أن المشتري إذا باع المشترى قبل القبض من بائعه فهذا العقد لا يصح ويوجب انتقاض العقد الأول على ما رواه خالد بن صبيح عن أبي يوسف رحمه الله، ورواية خالد بن صبيح مخالفة لظاهر الرواية، قال في ظاهر الرواية: لا ينتقص البيع الأول بهذا البيع.
وذكر في كتاب الصلح مسألة تدل على أن المستأجر يملك الإجارة من المالك.
وصورتها: الموصى له بغلة عبد بعينه إذا آجر العبد من أجنبي أو وارث الوصي إنه يجوز ووجه الدلالة: أن الوارث قائم مقام المورث وحال الموصى له بالغلة كحال المستأجر وإذا أجر المستأجر المستأجر من رجل ثم إن المستأجر الثاني أجره من المالك