والفرق أن الإجارة تنفسخ بالأعذار والنَّساء عذراً يرفع، أما البيع مما لا ينفسخ (٢١أ٤) بالأعذار المستأجر إذا أجر من غيره أو دفع إلى غيره مزارعة، ثم إن المستأجر الأول فسخ العقد الأول هل ينفسخ العقد الثاني؟ اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه ينفسخ اتحدت المدة أو اختلفت، أما إذا اتحدت فظاهر، وأما إذا اختلفت فلأنه لما فسخ الإجارة الأولى تبين أن المستأجر فضولي في الإجارة من الثاني في هذه المدة وهو المدة بعد فسخ الأول، والفضولي في المعاوضات المالية يملك الفسخ قبل الإجازة.
وفي «فتاوى الفضلي» : استأجر الرجل من غيره موضعاً إجارة طويلة ثم إن المستأجر أجره من عبد الآخر، فإن كان بغير إذن مولى العبد لم يحسب على المستأجر ما أخذ من العبد من رأس ماله؛ لأنه ليس للعبد أن يفسخ الإجارة بغير إذن المولى، وأما إذا كان العبد استأجره بإذن المولى، فقد توقف الشيخ الإمام فيه، والصحيح أن يقال: استئجار العبد بإذن المولى كاستئجار المولى بنفسه، وقد مرّ الكلام فيه من قبل.
وفي «فتاوى أبي الليث» : رجل أجر داره من رجل كل شهر بدرهم ثم باعها من آخر، فكان المشتري يأخذ أجرة الدار من هذا المستأجر وأتى على ذلك زمان، وقد كان وعد المشتري البائع أنه إن رد الثمن عليه رد عليه داره ويحتسب عليه ما قبض من المستأجر، ثم جاء البائع بالدرهم وأراد أن يحسب الأجر من ذلك.
قال: لما طلب المشتري الأجر من المستأجر كان ذلك إجارة منه وصار بمنزلة إجارة مستقلة وجميع ما أخذ من الأجر للمشتري، وليس للبائع من الأجر لا قليل ولا كثير؛ لأن الأجر وجب بعقد المشتري على ما ذكرنا، ومواضعة المشتري على رد الدار وعد منه فإن أنجز فحسن وإلا فلا شيء عليه، وإن كان الشرط في البيع فالبيع فاسد؛ لأنه شرط يخالف مقتضى العقد، الأجر المستأجر من رجل آخر لا تنعقد الإجارة الثانية في حق الآجر حتى لو سقط حق المستأجر الأول لا يلزمه التسليم إلى المستأجر الثاني، لأن الإجارة تصادف المنفعة والمنفعة صادفت حقاً للأول، فالإجارة الثانية صادفت حق الغير فلم تنعقد، والإجارة تخالف البيع فإن بيع الآجر المستأجر ينعقد نافذاً في حق البائع حتى لو سقط حق المستأجر يلزمه التسليم إلى المشتري، إنما لا ينفذ في حق المستأجر حتى لا يكون للمشتري حق الأخذ من المستأجر؛ لأن البيع يصادف الرقبة والرقبة لم تصر حقاً للمستأجر، فالبيع ما صادف حق المستأجر إنما صادف حق البائع فانعقد صحيحاً لكن لا يؤمر المستأجر بتسليمه إلى المشتري صيانة لحق المستأجر، فإذا سقط حق المستأجر زال المانع فعمل ذلك البيع علمه.
ثم المشتري في هذه المسألة بالخيار إن شاء تربص حتى انقضت مدة المستأجر، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ويطلب التسليم هكذا ذكر في «الزيادات» ولم يفصل بينهما إذا علم المشتري بكونه مستأجراً أو لم يعلم وهذا قول محمد.
وعلى قول أبي يوسف: إذا علم المشتري بكونه مستأجراً لا يجوز وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع.