فكان الفقيه أبو بكر البلخي يقول: إنما لا تبطل إجارة الظئر بموت الأب وهذا لأنه إذا كان للصغير مال، فالإجارة وقعت للصغير باعتبار المنفعة والأجر جميعاً فإن أجر الإرضاع يجب في مال الصبي، فكانت الإجارة واقعة للصبي من كل وجه فبقي بقاء الصبي فأما إذا لم يكن للصبي مال فالأجر يجب على الأب؛ لأن مؤنة الإرضاع على الأب إذا لم يكن للصغير مال فتكون الإجارة واقعة للأب، فتبطل بموت الأب.
ومنهم من قال: لا بل في الحالين جميعاً لا تبطل الإجارة بموت الأب وإطلاق محمد رحمه الله في «الكتاب» يدل عليه.
ووجه ذلك: أن الإجارة وقعت للصبي من كل وجه، باعتبار المنفعة والأجر جميعاً فإن الأجر يجب في ذمة الصبي، والأب يقضي ما وجب على الصغير من ماله ألا ترى أنه لو ظهر للصغير مال كان للأب أن يقضي ذلك من ماله فعلم أن الإجارة وقعت للصغير من كل وجه فلا تبطل بموت الأب، أو نقول: إن وقعت الإجارة للأب باعتبار الأجر وقعت للصغير باعتبار المنفعة فمن حيث أنها وقعت للأب إن كانت تبطل بموت الأب، فمن حيث أنها وقعت للصغير لا تبطل فلا تبطل بالشك أو نقول: لا فائدة في نقض الإجارة بموت الأب؛ لأنه يحتاج إلى إعادة مثلها في الحال.
ثم قال محمد رحمه الله: وأجر الظئر في ميراث الصبي قيل: أراد به أجر ما يستقبل من المدة بعد موت الأب أما ما وجب من الأجر حال حياة الأب يستوفى من جميع التركة وقيل: الكل يستوفى من نصيب الصغير، وهو الصحيح.
وفي «النوازل» : استأجر الرجل ظئراً ليرضع ابنه الصغير، فلما أرضعته شهوراً مات أب الصغير فقالت عمة الصغير للظئر: أرضعيه حتى يعطيك الأجر فأرضعته شهوراً، قال: إن لم يكن للصبي مال حتى استأجرها الأب فمن يوم مات الأب الأجر على العمة ثم ينظر إن كانت وصية الصغير رجعت بذلك في مال الصغير وما لا فلا، وإن كان للصبي مال يوم استأجرها فالأجر كله في مال الصبي وأشار إلى المعنى فقال: لأن في الفصل الأول الإجارة قد انقضت بموت الأب فإذا قالت العمة: أرضعيه ووافقته على ذلك، انعقد بينهما إجارة مبتدأة فيكون الأجر على العمة من هذا الوجه وفي الفصل الثاني الإجارة لم تنتقض بموت الأب، بل بقيت على حالها لأن العقد وقع للصغير من كل وجه فيكون الأجر في مال الصبي.
وإن ماتت الظئر انتقضت الإجارة كما في سائر الإجارات إذا مات الآجر وكذا إذا مات الصبي؛ لأن العقد وقع له فيبقى ببقائه ويبطل بموته، ولأنها عجزت عن إيفاء المعقود عليه عجزاً لا يرجى زواله، فهو بمنزلة العبد المستأجر إذا مات وذلك يوجب انفساخ العقد كذا هاهنا.
وإذا استأجر الرجل ظئراً ترضع صبيين له فمات أحدهما فإنه يرفع عنه نصف الأجر؛ لأنها بقدر النصف عجزت عن إيفاء المعقود عليه.
بيانه: أنه لا يمكن إيفاء المعقود عليه بدون الصبي، وليس لأب الصبي إقامة صبي