للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر مقام الصبي لما يقع بين الصبيين من التفاوت في الإرضاع، فهو معنى قولنا: عجزت عن إيفاء المعقود عليه بقدر النصف فتنفسخ الإجارة في النصف، فلهذا قال: يرفع عنه نصف الأجر.

ولو استأجرت ظئرين يرضعان صبياً واحداً فماتت إحداهما، فالأخرى بنصف الأجر إن كان متفاوتاً فبحساب ذلك.

والحاصل: أن الأجر يتوزع على لبنهما، وإن أجرت الظئر نفسها من قوم آخرين ترضع صبياً لهم ولا يعلم بذلك أهلها الأولون حتى يفسخوا هذه الإجارة، فأرضعت كل واحد منهما وفرغت فتداعت وهذه خيانة منها ولها الأجر كاملاً على الفريقين، ولا تتصدق بشيء، وهذا الجواب لا يشكل إذا قال أب الصغير للظئر: استأجرتك لترضعي ولدي هذا سنة بكذا؛ لأن الظئر في هذه الصورة تعتبر أجيرة مشترك؛ لأن الأب أوقع العقد أولاً على العمل إنما يشكل فيما إذا قال لها: استأجرتك سنة لترضعي ولدي هذا بكذا؛ لأنها أجيرة وجدت في هذه الصورة لأنه أوقع العقد على المدة أولاً، وسيأتي بيان ذلك في باب الراعي إن شاء الله تعالى.

وليس للأجير الواحد أن يؤاجر نفسه من آخر، وإذا أجر لا يستحق تمام الأجر على المستأجر الأول ويأثم.

والوجه في ذلك: أن أجير الواحد في الرضاع يشبه أجير المشترك من حيث إنه يمكنه إبقاء العمل إلى كل واحد منهما بتمامه كما في الخياط والقصار، وإن كانت أجير وعد من حيث إنه أوقع بالعقد في حقها على المدة ولو كانت أجيرة وعد من كل.... بل أوقع العقد في حقها على المدة والعمل عمل لا يمكنها إبقاؤها لكل واحد منهما على الكمال في تلك المدة، بأن أجرت نفسها يوماً للحصاد أو للخدمة فخدم في بعض اليوم الأول، وخدم في بعض اليوم (٢٤أ٤) الوحد، وقلنا بأنها تستحق الأجر كاملاً لشبهها بالأجير المشترك، وإذا دفعت الظئر الصبي إلى خادمتها حتى أرضعته فلها الأجر كاملاً استحساناً، لأنه لم يشترط عليها الإرضاع بلبنها.

فهو نظير من استأجر قصاراً ليقصر له ثوباً أو خياطاً ليخيط له ثوباً ولم يشترط عليه العمل بنفسه فعمل بغيره فإن يستحق الأجر كذا هاهنا، والمعنى فيه أن قوله: ليخيط ليقصر لترضع كما تذكر ويراد به المباشر تذكر ويراد به النسب فلا تتعين المباشرة مراداً له إلا بالتنصيص عليه، فأما إذا شرط عليها الإرضاع بنفسه فدفعته إلى خادمتها حتى أرضعته، هل تستحق الأجر؟ فقد اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنها لا تستحق.r

وإن أرضعته بلبن شاة أو غذته بطعام حتى انقضت المدة فلا أجر لها؛ لأن هذا لا يسمى إرضاعاً فلا يتحقق إيفاء المعقود عليه وبدونه لا تستحق الأجر وإن جحدت الظئر ذلك، وقالت: ما أرضعته بلبن البهائم وإنما أرضعته بلبني فالقول قولها مع يمينها استحساناً وإن قامت لأهل الصبي بينة على ما ادعوا فلا أجر لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>