قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: تأويل المسألة أنهم شهدوا أنها أرضعته بلبن الشاة، وما أرضعته بلبن نفسها أما لو اكتفوا بقولهم: ما أرضعته بلبن نفسها لا تقبل شهادتهم؛ لأن هذه شهادة قامت على النفي مقصوداً بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك النفي دخل في ضمن الإثبات وإن أقاما البينة أخذت ببينة الظئر.
وإذا استأجر الأب أم الصغير لإرضاعه فهو على وجهين: إما أن يستأجرها بمال نفسه أو بمال الصغير، فإن استأجرها حال قيام النكاح بمال نفسه لا يجوز، واختلفت عبارة المشايخ في تخريج المسألة بعضهم قالوا: إرضاع الصبي حال قيام النكاح واجب عليها ديانة إن لم يكن واجباً حكماً؛ وهذا لأنه اجتمع ما يوجب أن يكون الرضاع واجباً عليها وما يمنع أن يكون الإرضاع واجباً عليها من حيث إن النكاح وضع لاستحقاق الوطئ على المرأة ولاستحقاق المهر على الزوج، لا الإرضاع يوجب أن لا يكون الإرضاع واجباً عليها ومن حيث إن الامتناع عن إرضاع الصغير حال قيام النكاح سبب النفرة والنفرة سبب فوات مصالح النكاح يوجب أن يكون الإرضاع واجباً عليها فجعلناه واجباً ديانة لا حكماً.
إذا أثبت هذا فنقول: اعتبار الحكم إن كان يوجب جواز هذه الإجارة فاعتبار الديانة يمنع الجواز؛ لأن الإجارة بالاستحقاق قائماً بجوز إيرادها على ما ليس بمستحق، فلا يثبت الجواز بالشك وبعضهم قالوا: إنما لا يجوز هذا العقد؛ لأنه مهجور بين الناس.
فإنك لا ترى امرأة في نكاح رجل تأخذ الأجر على إرضاع ولده منها ولعرف الناس أثراً في جواز العقد وفساده، ألا ترى لو استأجر الرجل مرآة ليسوي عمامته جاز، ولو استأجر حباً لذلك لا يجوز وما افترقا إلا من حيث إن الأول عمل الناس، والثاني ليس عمل الناس، وبعضهم قالوا: إنما لا يجوز هذا العقد؛ لأنه استأجرها هي فيه شريكة؛ لأنهما يشتركان في الولد والإجارة لمثل هذا العمل لا يجوز وكما لا يجوز استئجار خادمتها؛ لأن خادمتها مملوكة لها وما يجب من الأجر فهو لها فيكون استئجار خادمتها كاستئجارها، وكذا لا يجوز استئجار مدبرتها، ولو استأجر مكاتبة لها جاز.
وإن استأجرها بمال الصغير روى ابن سماعة عن محمد: أنه يجوز وهو مشكل على العبادات كلها هذا استأجرها حال قيام النكاح وإذا استأجرها بعد الطلاق، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز لأن الطلاق الرجعي لا يقطع ملك النكاح، فصار الحال بعد الطلاق الرجعي كالحال قبل الطلاق، وإن كان بائناً ففي ظاهر الرواية يجوز؛ وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز؛ لأن هذا منع ثبت بالنكاح فبقي ما بقيت العدة كمنع نكاح الأخت وأربع سواها ومنعها عن زوج آخر.
وجواب ظاهر الرواية يخرج على العبارة الأولى والثانية أما على العبارة الأولى؛ فلأنا إنما أوجبنا الإرضاع عليها ديانة؛ لأن الامتناع عنه سبب لوقوع الخلل في مصالح النكاح بواسطة النفرة وهذا المعنى لا ينافي بعد الطلاق البائن؛ لأن مصالح النكاح لا حصول لها بعد البينونة، وأما على العبارة الثانية فلأن هذا العقد غير مهجور فيما بين