وعن محمد رحمه الله أنه قال: استحسن أن يؤاجروا عبده، لأنه ظهر ولا يتهم في نفس الصغير نظراً له فكذا تظهر ولايتهم في مال الصغير نظراً له قال: وكذلك استحسن أن ينفقوا عليه ما لا بد منه؛ لأن في تأخير ذلك ضرر بالصغير، ولو أجر الأب أو الجد أووصيهما الصغير ثم بلغ الصغير فهو بالخيار إن شاء مضى على الإجارة وإن شاء فسخ.
فرق بين هذا وبينما إذا أجروا عبداً للصغير، ثم بلغ الصغير حيث لا يكون له ولاية الفسخ.
والفرق: أن إجارة مال الصغير محض منفعة في حق الصغير إذ بها يحصل للصغير ما هو متقوم وهو الأجر بمقابلة ما ليس بمتقوم وهو المنافع فينوب الجد والوصي فيها مناب الصغير، وصار كأنه آجر بنفسه وهو بالغ، فأما إجارة الصغير لم يتمحض نفعاً في حق الصغير؛ لأنه أتعب بدنه فكان ينبغي أن لا يملكها هؤلاء لكن ملكوها من حيث التهذيب والرياضة، فلهؤلاء ولاية تهذيب الصبي ورياضته قلنا: وولاية التهذيب قد انقطعت بالبلوغ.
وإذا أجر الوصي نفسه للصغير لا يجوز.
أما على قول محمد؛ فلأن الوصي لا يملك بيع مال نفسه مع أنه مقابلة العين بالعين فلأن لا يملك إجارة نفسه منه وإنه مقابلة المنفعة بالعين أولى.
وأما على قول أبي حنيفة: فلأنه إنما يملك بيع مال نفسه من الصغير إذا كان النفع ظاهراً للصغير ولا نفع في بيع المنفعة للصغير، وإن كان بأقل من قيمته بحيث لا يتغابن الناس في مثله؛ لأن ما يحصل للوصي غبن وما يحصل للصغير منفعة والعين خير من المنفعة.
ولو استأجر الوصي الصغير لنفسه فينبغي أن يجوز في قول أبي حنيفة إذا كان بأجرة لا يتغابن الناس في مثلها؛ لأن في هذا التصرف نفع للصغير؛ لأنه يحصل له العين وهو الأجر بمقابلة المنفعة، وأما الأب إذا استأجر الصغير لنفسه لا شك في جواز هذه الإجارة، وأما إذا أجر نفسه للصغير بمثل القيمة ذكر في عامة الروايات أنه يجوز عندهم جميعاً؛ لأنه باع منفعة له من الصغير بمثل القيمة فيعتبر بما لو باع عيناً له من الصغير بمثل القيمة، وذلك جائز فكذا هذا.
وذكر في بعض الروايات أنه لا يجوز، هكذا ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» .
ووجه ذلك: أن العمل للصغير واجب على الأب ديانة، إن لم يكن واجباً من حيث الحكم، فالوجوب ديانة مانع جواز الإجارة لما هو قبل هذا.
الوصي إذا استأجر من نفسه عبد اليتيم ليعمل ليتيم آخر هو في حجره، وهو وصيهما لا يجوز؛ لأنه باع منفعة أحد اليتيمين من الآخر فيعتبر بما لو باع عيناً من أعيان مال أحدهما من الآخر وذلك لا يجوز، فهذا كذلك الصبي المحجور إذا أجر نفسه لم يجز.
وكذلك العبد المحجور إذا أجر نفسه لم يجز، وهذا؛ لأن الإجارة عقد المعاوضة كالبيع فلا يملكها المحجور عليه كما لا يملك البيع، فإن عمل فهذا على وجهين: إما إن سلم من العمل وفي هذا الوجه القياس أن لا يجب الأجر؛ لأن وجوب الأجر باعتبار العقد والعقد باطل.