للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حنيفة: ليس له ذلك أضر بالسفل أو لم يضرّ، فإذا لم يملك صاحب العلو إحداث البناء لم يملك التمليك من غيره بالإجارة.

وعندهما: له أن يحدث البناء إذا لم يضّر بالسفل فلما ملك صاحب العلو هذا بنفسه ملك التمليك من غيره بالإجارة حتى لو كان العلو والسفل لواحد، فإنه تجوز هذه الإجارة عندهم جميعاً؛ لأن الأجير يملك إحداث هذا البناء بنفسه فيملك التمليك من غيره بالإجارة، ومنهم من قال: لا بل المسألة على الخلاف وإن كان العلو والسفل لواحد فعلى هذا لا تكون المسألة بل تكون مسألة مبتدأة فلا بد أن يتكلم لكل واحد منهما بكلام مبتدأ، وإطلاق محمد رحمه الله يدلّ على هذا فكان الحجة لهما أن أرض العلو وهو سقف السفل في إجارة العلوّ للسكنى من غير ذكر، كأرض السفل ولما ألحق بالأرض في حق الإجارة للسكنى فكذا في حق الإجارة للبناء يلحق بالأرض.

ومن استأجر أرضاً ليبني جازت الإجارة، وإن كان قدر البناء مجهولاً فكذا هذا بهذا تدائنا وأبو حنيفة يقول: إذا استأجر الأرض للبناء إنما جاز مع الجهالة؛ لأن جهالة قدر البناء مما لا يلحق بصاحب الأرض زيادة ضرر، فإن قل البناء أو كثر لا يتضرر به ربّ الأرض، فأما جهالة قدر البناء مما يضر بأرض العلو وهو سقف السفل فكانت جهالة قدر البناء هاهنا مانعاً جواز الإجارة من هذا الوجه.

ولو استأجر سطحاً ليبيت عليه شهراً ذكر في كتاب الصلح وفي بعض روايات كتاب الإجارات أنه يجوز، وذكر في بعض المواضع أنه لا يجوز فمن مشايخنا من وفق فقال: ما ذكر في كتاب الصلح وفي بعض روايات كتاب الإجارات محمول على ما إذا كان العلو مسقفاً أو إن لم يكن مسقفاً يكون مجهولاً، بأن دور عليه الحائط؛ لأنه إذا كانت هذه الصفة فهو موضع السكنى عادة فجاز الاستئجار للبيتوتة عليه.

وما ذكر في بعض المواضع محمول على ما إذا لم يكن مسقفاً ولا محجراً، لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة فهو ليس موضع السكنى عادة فلا يجوز الاستئجار للبيتوتة عليه، ومن المشايخ من قال: في المسألة روايتان ومن المشايخ من زيف ما ذكر في بعض المواضع، وقال: يجوز استئجار الشرط للبيتوتة على كل حال وإطلاق لفظ كتاب الصلح، وفي بعض روايات كتاب الإجارات يدل عليه ووجه ذلك أن السّطح مسكن يمكن السكنى فيه بنصب خيمة أو ما أشبهه، فتجوز الإجارة عليه.

وإذا استأجر القاضي رجلاً ليقوم عليه في مجلس القضاء شهراً بأجر مسمى فهو جائز؛ لأنه استأجره مدّة معلومة بأجر معلوم لعمل مباح وهو قيامه في مجلسه فيصبح كما لو استأجره شهراً للخدمة ويدخل في ذلك الحدود والقصاص؛ لأنه مجرد القيام في مجلس لا يفيد للقاضي فائدة والإجارة لا تنعقد على مالا فائدة للمستأجر فيه وإنما يفيده القيام في مجلسه إذا قام لبعض ما يعرض للقاضي من هذه الأسباب فصار القيام إقامة هذه الأسباب مستحقاً للقاضي ثمرة من ثمرات ما وقعت عليه الإجارة وهو القيام في مجلسه لا أن يكون هذا معقوداً عليه حتى لا تجوز الإجارة عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>