وإذا استأجر الرجل دراهم أو دنانير أو حنطة أو شعيراً أو ما أشبه ذلك من الوزنيات أو الكيلات ليعمل منها كل شهر بدرهم لا تجوز، لأن الإجارة جوزت بخلاف القياس لمنفعة مقصودة من الأعيان، والمنفعة المقصودة من الكيلات والموزونات لا يمكن استيفاؤها إلا باستهلاكها فتكون هذه الإجارة معقودة على استهلاك العين، والإجارة لا تنعقد على استهلاك العين.
ولو استأجر الدراهم أو الدنانير شهراً ليتزين بهما أو استأجر الحنطة أو الشعير ليعير بها مكياله ذكر في «الأصل» أنه يجوز، قال أبو الحسن رحمه الله: وعندي أنه لا يجوز، بعض مشايخنا قالوا: ما ذكر في «الأصل» محمول على ما إذا استأجر ليعبر بهما مكيالاً بعينه، وما ذكر أبو الحسن محمول على ما إذا استأجرها ليعبر بهما مكيالاً بعينه.
وبعضهم قالوا: في المسألة روايتان وجه الجواز أن هذه منفعة مطلوبة وجه عدم الجواز أن هذه المنفعة ليست بمقصودة من هذه الأعيان فلا تصح الإجارة عليها، ولو استأجر الدراهم أو الحنطة يوماً مطلقاً ولم يبّين لماذا يستأجرها لم يذكر هذه المسألة في «الأصل» .
قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده: ولقائل أن يقول: لا يجوز ويحمل على الانتفاع بهما وزناً احتيالاً لجواز العقد، ولقائل أن يقول: يجوز وإليه مال الكرخيّ لأنا وإن حملناه على الانتفاع بهما وزناً لا يجوز العقد على قول الكرخيّ على ما مرّ.
وإذا استأجر الرّجل نخلاً أو شجراً على أن يكون ما أثمر للمستأجر لا يجوز؛ لأن هذه إجارة عقدت على استحقاق العين ومحل الإجارة المنفعة دون العين على ما مرّ، ولا يمكن العمل بحقيقة الإجارة ولا يمكن أن تجعل مجازاً عن البيع، لأن الإجارة لا تصير سبباً لملك الرقبة قط فكيف يمكن أن تجعل كناية عن البيع، وإذا أطلق الإجارة على النخيل إطلاقاً ولم يشترط سبباً، لم يذكر محمّد هذه المسألة في «الأصل» .
قال شيخ الإسلام: ولقائل أن يقول: يجوز وتصرف الإجارة إلى منفعة محضة تتحقق من الأشجار مع بقاء العين كبسط الثياب على أغصانها أو شد الدابة بها، والإجارة على مثل هذه المنفعة جائزة.
وقد ذكر الكرخيّ في «مختصره» : أن من استأجر نخلاً أو شجراً ليبسط عليه ثيابه لا يجوز؛ لأن هذه ليست بمنفعة مقصودة من الأشجار والإجارة، إنما يجوز إيرادها على منافع مقصودة، ولأن هذه ليست من الإجارات فإنا لا نجد أحداً يستأجر أشجاراً ليبسط عليها ثيابه.
وفي «المنتقى» : إذا استأجر الرجل سطحاً ليجفف ثيابه عليه جاز قال: ولا يشبه هذا إذا استأجر نخلاً ليجفف ثيابه عليه، وإذا استأجر الرجل علو منزل ليبني عليها لم يجز في قول أبي حنيفة، ويجوز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، فمن مشايخنا من قال: موضع المسألة إذا كان العلو لرجل والسفل لرجل آخر، أجر صاحب العلو من رجل ليبني عليه وتكون هذه المسألة فرع مسألة أخرى، أن صاحب العلو إذا أراد أن يحدث في العلو بناء.