فسخ الإجارة، فعلى قياس ما ذكر في «الأصل» ينبغي أن يقال في مسألة «الفتاوى» ، إنه إذا اشترى بعيراً أو دابّة لا يكون عذراً.
قال في «الجامع الصغير» : الخياط إذا استأجر غلاماً ليخيط معه، فأفلس الخياط وقام عن السوق فهذا عذر؛ لأن تجارته تنقطع بالإفلاس فتبقى التجارة غرامة عليه فيثبت له حق الفسخ دفعاً للغرامة عن نفسه.
فإن قيل: الخياط يتوصل إلى الخياطة بمال قليل فكيف يتحقق إفلاسه.
قلنا: الخياط إنما يتوصل إلى الخياطة بمال قليل إذا كان يعمل لغيره أما إذا كان يعمل لنفسه لا يتوصل إليها إلا بمال كثير، وكان محمد رحمه الله يقول هذا في خياط يعمل لنفسه على أن الخياط الذي يعمل لغيره، قد يتحقق إفلاسه بأن تظهر خيانته عند الناس فيمتنعون عن تسليم الثياب إليه أو يلحقه ديون كثيرة، ويصير بحال الناس لا يأتمنوه على أمتعتهم، وأما إذا أراد أن يترك الخياط ويعمل في الصرف، فهذا ليس بعذر تفسخ به الإجارة.
وقال في كتاب الإجارات: إذا استأجر من آجر حانوتاً ليبيع فيه الطعام، ثم بدا له أن يقعد في سوق الصيارفة فهذا عذر.
والفرق إن في مسألة كتاب الإجارات لا يمكنه استيفاء المعقود عليه، إلا أن يحبس نفسه في هذا السوق المعين؛ إذ لا يمكنه الجمع بين تجاريين في سوق واحد، وحبس نفسه في مكان معيّن عقوبة وعذاب فجعل ذلك عذراً دفعاً للعقوبة عن نفسه، أما في مسألة «الجامع الصغير» يمكنه استيفاء المعقود عليه من غير أن يحبس نفسه في هذا السوق المعيّن، بأن يقعد بنفسه في سوق الصيارفة ويستعمل الغلام في عمل الخياطة في ذلك السوق، فلم يجعل ذلك عذراً.
وإذا استأجر إنساناً ليقصر ثياباً له أو ليخيط أو ليقطع قميصاً له أو ليبني له بناء أو ليزرع أرضاً له، ببذره ثم بدا له أن لا يفعل كان ذلك عذراً له؛ لأنه لا يمكنه المضي على الإجارة إلا باستهلاك المال في بعض الصور، وهو الزراعة والقطع والبناء أما الزراعة والقطع فظاهر وأما البناء؛ فلأن فيه إتلاف المالية، وكذلك إذا استأجر لحفر البئر؛ لأن في الحفر إتلاف جزء من الأرض وكذلك إذا استأجر للحجامة والفصد؛ لأن في الحجامة إيلام وإتلاف جزء من البدن، ولو امتنع الأجير عن العمل في هذه الصورة يجبر عليه، ولا تفسخ الإجارة؛ لأنه يمكنه المضي على الإجارة من غير ضرر يلزمه.
وإذا استأجر أرضاً ليزرعها فغرقت الأرض أو نزّت كان ذلك عذراً له في فسخ الإجارة؛ لأن المعقود عليه قد فات قبل التسليم وإنه يثبت للعاقد حق الفسخ في بيع العبد إذا أبق العبد قبل القبض، فإنه يكون للمشتري حق الفسخ، وطريقه ما قلنا: فإن مرض المستأجر وعجز عن الزراعة، فإن كان ممّن يعمل بنفسه فهذا عذر؛ لأنه عجز عن الانتفاع بالأرض لمرضه، إذا كان يعمل بنفسه فهو بمنزلة ما لو عجز عن الانتفاع بالأرض بأن غرقت أو نزّت، وذلك عذر فهذا كذلك وإن كان إنما يعمل بأجرائه، فهذا ليس بعذر؛