والفرق: وهو الناس لا يتفاوتون في اللبس والركوب تفاوتاً فاحشاً فإنّ ربّ إنسان يفسد الثوب إذا ألبسه يوماً كالجزار وآخر لا يفسده، وإن لبسه أياماً كالبزاز وربّ راكب يفسد الدابة إذا ركب عليها يوماً، وآخر لا يفسد إذا ركب عليها شهراً بل يصلحها، ولهذا يبذل الإنسان الأجر للرابض ولا يرضى ركوب غيره دابته، وإذا كان التفاوت فاحشاً كان جهالة الراكب واللابس مفضية إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم؛ لأن صاحب الدابة يقول للمستأجر: استأجرته ليلبسه ويركبه المستأجر يقول: استأجرته لألبس وأركب غيري فإن ألبسه غيره فهو ضامن إن أصابه شيء، وإن لم يصبه فلا أجر عليه، أما الضمان إذا أصابه شيء، فلأن إلباس غيره لم يدخل تحت العقد؛ لأنه شرط لبسه وفقد هذا الشرط لما ذكرنا أن الناس يتفاوتون في اللبس، وأما عدم الأجر إذا لم يصبه شيء؛ لأنه استوفى فيما ليس بداخل تحت العقد أصلاً والمنافع لا تتقوم بدون العقد.
بيانه: أن التفاوت بين الملابس واللابس باختلاف الجنسين، فهو معنى قولنا: استوفى ما ليس بمعقود عليه، وإنه لا يوجب الأجر فرق بين هذا وبينما إذا استأجر قميصاً ليلبسه فأتزر به ولم يصب الثوب شيء فإنه يجب عليه الأجر استحساناً وقد صار مخالفاً حتى أنه إذا أصاب الثوب شيء، فإنه يضمن، وهاهنا قال: لا يجب الأجر.
والفرق: أن التفاوت الذي بين لبسه وبين إتزاره تفاوت يسير، فلم يلتحقا بجنسين مختلفين فكان موافقاً في أصل المعقود عليه مخالفاً في صفته، فلمكان الوفاق أوجبنا الأجر إذا لم يصبه شيء؛ لأنه استوفاه بحكم العقد ولمكان الخلاف أوجبنا الضمان متى هلك عملاً بهما، فأما التفاوت بين لبسه ولبس غيره تفاوت فاحش فالتحقا بالجنسين المختلفين، فما استوفاه إنما استوفاه بغير عقد؛ فلهذا لم يجب الأجر.
وفرق أيضاً: بين هذه المسألة وبينما إذا استأجر حانوتاً ليقعد فيه فاسياً فقعد فيه قصاراً وسلم الحانوت، فإنه يجب الأجر والتفاوت بين سكنى الفاسي وبين سكنى الحداد تفاوت فاحش ثم لم يجعل ما استوفى باعتبار التفاوت الفاحش جنساً آخر غير ما تناوله العقد.
والفرق: وهو أن في تلك العقد انعقد على شيئين على السكنى وعلى العمل، ولا تفاوت في السكنى إنما التفاوت في حق العمل، والعقد انعقد على السكنى، فصار مستوفياً ما تناوله العقد وزيادة واستيفاء الزيادة لا تمنع وجوب الأجر، فأما هاهنا العقد انعقد على شيء واحد وهو اللبس ولبس غيره من يلبسه جنس آخر على ما ذكرنا، فلم يستوف المعقود عليه أصلاً فلهذا لا يجب الأجر.
فإن قيل: يجب كأنه استوفى ما ليس بمعقود عليه إلا أنه كان متمكناً من استيفاء المعقود عليه بأن يلبس بنفسه والتمكن من استيفاء المعقود عليه، لا يمنع وجوب الأجر.
قلنا: التمكن من استيفاء المعقود عليه إن أوجب الأجر إذا لم تزل يد الإجارة، وكما ألبس غيره فقد زالت يد الإجارة، ألا ترى أنه يضمن وإن هلك الثوب لا من لبس