للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرفع ولا ينصب وإنما يسكن فيها لا غير والناس لا يتفاوتون في ذلك تفاوتاً فاحشاً، إلا أن ما يلحقه من زيادة المشقة من جهة التالي يمكنه؛ لأنه حافظ نفسه، ولو أن المستأجر خلّف الفسطاط بالكوفة في بيته أو بيت غيره وخرج بنفسه فلا كراء عليه؛ لأنه لم يتمكن من استيفاء المعقود عليه في المكان الذي أضيف إليه العقد وهو ضامن لها بهذا الإمساك؛ لأن المالك لم يرض بإمساك لا يجب به الأجر والقول قول المستأجر مع يمينه في أنه لم يخرج الفسطاط؛ لأن حاصل اختلافهما في وجود التسليم في المكان الذي أضيف إليه العقد.

قال: ولو كان المستأجر دفع الفسطاط إلى رجل أجنبي ليدفعه إلى صاحب الفسطاط فدفعه ذلك الرجل إلى صاحبه فقد برئا جميعاً، وإن أبى صاحب الفسطاط أن يقبله فليس له ذلك؛ لأن لمستأجر الفسطاط أن يترك الفسطاط ولا يخرجه من الكوفة، كما أن له أن يترك إجارة البيت إذا أراد سفراً، فإن هلك الفسطاط عند هذا الرجل قبل أن يحمله إلى صاحبه.

ذكر أن على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: صاحب الفسطاط بالخيار إن شاء ضمن المستأجر، وإن شاء ضمن ذلك الرجل، ولم يذكر قول أبي حنيفة قالوا: وينبغي على قوله أن يقال: إن كان المستأجر دفع الفسطاط إلى ذلك الرجل قبل أن يصير المستأجر غاصباً، فإن أمسك الفسطاط قدر ما يمسكه الناس إلى أن يرتحل ويسوي أشبابه، إذا كانت الحالة هذه لاضمان على الثاني، لأنه مودع المودع بل أحسن حالاً من مودع المودع؛ لأن مودع المودع إنما أخذها ليحفظ للمودع وهذا إنما أخذ ليحفظ للمودع ويردها على المالك.

ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن المودع الثاني لا يضمن إنما يضمن المودع الأول، فأما إذا أمسك المستأجر الفسطاط زيادة على ما يمسكه الناس حتى يصير غاصباً ضامناً له ثم دفع إلى الثاني يجبر المالك، إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني؛ لأن الثاني يكون مودع الغاصب لا مودع المودع ومودع الغاصب (٣٧ب٤) ضامن عندهم جميعاً، فإن ضمن المستأجر فالمستأجر لا يرجع بذلك على ذلك الرجل، وإن ضمن ذلك الرجل يرجع على المستأجر.

قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا استأجر الرجلان أحدهما بصري والآخر كوفي فسطاطاً من الكوفة إلى مكة ذاهباً وجائياً بأجر معلوم وذهبا به إلى مكة واختلفا، فقال البصري: إني أريد أن آتي البصرة، وقال الكوفي: إني أريد أن أرجع إلى الكوفة وأراد كل واحد أن يذهب بالفسطاط إلى حيث قصد.

فهذا على وجهين: إما أن يذهب البصري بالفسطاط إلى البصرة أو يذهب الكوفي إلى الكوفة، وكل وجه من ذلك على وجهين، إما إن ذهب به بأمر صاحبه أو بغير أمره، فإن ذهب البصري بالفسطاط إلى البصرة إن ذهب به بغير أمر صاحبه فالبصري ضامن للفسطاط كله ولا ضمان على الكوفي وليس عليهما أجر الرجعة، أما البصري فيضمن جميع الفسطاط أما نصيبه؛ لأنه أمسكها في موضع لا يجب عليه الأجر بإمساكه؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>