وفيما إذا شرط المجيء بجوابه إذا دفع إلى فلان وأتى بالجواب، فله الأجر كاملاً؛ لأنه أوفى جميع المعقود عليه، ولو كان المكتوب إليه غائباً فدفع إلى آخر ليدفعه إليه أو دفع المكتوب إليه، فلم يقرأ ورجع هذا الرجل فله أجر الذهاب؛ لأنه استؤجر لإيصال الكتاب إليه وللمجيء بالجواب وقد وجد الاتصال بقدر الإمكان ولم يوجد المجيء بالجواب فيجب أجر الاتصال ولو مزق الكتاب.
ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» : أن عليه أجر الذهاب في قولهم ولا يفتى به؛ لأنه قد أبطل عمله حيث مزقه وإن رد الكتاب، قال أبو حنيفة: لا شيء له من الأجر وقال محمد: له أجر الذهاب وقول أبي يوسف مضطرب، محمد رحمه الله يقول: رد الكتاب حصل بإذن المستأجر؛ ولأنه فلا يسقط له الأجر كما لو أذن له بذلك نصاً بأن قال: إن لم تجد فلاناً فأت إلي بالكتاب وإنما قلنا ذلك؛ لأنه ربما يكون في الكتاب سراً لا يرضى المرسل بأن يطلع عليه غير المرسل إليه ومتى ترك الكتاب ثمة ربما يفتحه غيره فيطلع عليه فبهذا الاعتبار يصير مأموراً برد الكتاب متى لم يجد فلاناً وربما لا يكون فيه سر فيكون مأموراً بالترك هناك إذا لم يجده حتى يوصل إليه إن كان غائباً وإلى ورثته إن كان ميتاً.
فإذا لم ينص صاحب الكتاب على الترك ثم ولا على الرد ثانياً دخل كلا الأمرين تحت الإذن، كما في الرسالة فإن الرسول يكون مأموراً بترك التبليغ إلى غير المرسل إليه بأن يكون سراً لا يرضى أن يطلع عليه غير الرسول والمرسل إليه، وربما لا يكون سراً فيكون مأموراً بالتبليغ إلى غير المرسل إليه إذا لم يجده حتى يبلغ إليه متى حضر فيحصل مقصود المرسل فدخل كلا الأمرين تحت الإذن فكذلك هذا، وإذا كان كذلك صح قولنا: إن رد الكتاب حصل بإذن المستأجر دلالة.
وهذا بخلاف ما لو كان المستأجر شيئاً له حمل ومؤنة، فلم يحمل المرسل إليه فرد ثانياً؛ لأنه غير مأمور بهذا الرد من جهة المالك لا نصا ولا دلالة؛ لأنه لا ضرر عليه متى ترك المحمول على يدي عدل حتى يوصله إليه فلم يثبت الإذن بالرد دلالة بل الثابت دلالة من جهته النهي عن الرد حتى لا يضيع ما لحقه من المؤنة بخلاف الكتاب؛ لأنه ربما يكون فيه سراً لا يرضى بأن يطلع غيره عليه، فإذا لم يأمره بالترك هناك يثبت الإذن بالرد إليه ثانياً فبهذا تعلق محمد رحمه الله وإنه واضح.
وأبى أبو حنيفة رحمه الله ذلك في ذلك إلى أن الرد حصل بغير إذن المالك نصاً ولا دلالة فلا يستحق الأجر قياساً على ما لو أمره بالترك هناك إذا لم يجده وإنما قلنا: إنه حصل بغير إذنه نصاً؛ لأنه أمره بالاتصال إليه لا بالرد ولا دلالة لأن الإذن بالرد لو ثبت دلالة إنما يثبت ليوهم أن يكون في الكتاب سر لا يرضى أن يطلع عليه غيره ولا يجوز أن يثبت الإذن بالرد دلالة من جهة المالك بهذا؛ لأن الحال لا إما أن يكون الكتاب مختوماً أو غير مختوم، فإن كان مختوماً يجد عدلاً لا يفتح الختم فلا يطلع على ما فيه غير المرسل إليه وإن كان غير مختوم لا يكون فيه سراً فإذا أفشى السر لا يتحقق بالترك هناك فلا يثبت الإذن بالرد دلالة بهذا السبب ولم يأذن له بالرد نصاً فكان الرد حاصلاً بغير إذنه