وليس كالرسول وذلك؛ لأن الرجوع فبلغ التبليغ إلى غير المرسل إليه حصل بإذن المرسل دلالة وذلك؛ لأنه ربما تكون الرسالة سراً لا يرضى المرسل بأن يطلع عليه أحد ولا يمكنه التبليغ إلى المرسل إليه بحيث لا يطلع عليه غير المرسل إليه، فيصير مأذوناً بالرجوع من غير تبليغ إلى غير المرسل دلالة فأما التبليغ في باب الكتاب بقدر الإمكان بأن يترك الكتاب ثمة ممكن من غير إفشاء ما فيه من السر بأن كان مختوماً، وإن كان غير مختوم فلا يكون فيه سر فلا يثبت الإذن بالرد دلالة، فيكون الرد بغير إذن المالك فلا يستوجب الأجر كما لو كان المحمول شيئاً له حمل ومؤنة.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في شرح إجارات «الأصل» : وينبغي أن لا يسلم فصل الرسالة على مذهب أبي حنيفة رحمه الله ثم الأجير يستحق الأجر على المرسل لا على المرسل إليه؛ لأن الأجر إنما يستحق على العاقد والعاقد هو المرسل لا على المرسل إليه.
وذكر الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزودي رحمه الله هذه المسألة في تطبقه، وذكر قول أبي يوسف مع محمد في «نوادر هشام» عن محمد رحمه الله رجل تكارى سفينة على أن يذهب بها إلى موضع كذا فلم يجد ذلك الشيء ثم رجع قال: يلزمه كراء السفينة في الذهاب فارغة فإن قال: اكتريتها منك على أن تحمل لي الطعام من موضع كذا إلى ها هنا فذهب بها فلم يجد الطعام فرجع بالسفينة فلا شيء له من الكراء.
وروى إبراهيم: رجل استأجر دابة من بغداد ليذهب بها إلى المدائن ويحمل عليها طعاماً من المدائن، فذهب فلم يجد الطعام فإن على المستأجر أجر الذهاب، ولو استأجرها ليحمل عليها من المدائن ولم يستأجرها ليذهب من موضع العقد وباقي المسألة بحاله فإنه لا أجر عليه في الذهاب أيضاً.
والفرق: أن في المسألة الأولى العقد انعقد على شيئين على الذهاب إلى ذلك الموضع والحمل منه إلى ها هنا، وقد ذهب إلى ذلك الموضع فقد استوفى بعض المعقود عليه فيجب الأجر بحصته.
وفي المسألة الثانية: العقد انعقد على شيء واحد وهو الحمل من ذلك الموضع إلى ها هنا ولم ينعقد على الذهاب إلى ذلك الموضع، لأن الذهاب غير مذكور ولم يوجد حمل الطعام من ذلك الموضع فلم يوجد استيفاء المعقود عليه أصلاً فلهذا لا يجب شيء من الأجر.
وعلى هاتين المسألتين قسنا مسألة صارت واقعة للفتوى.
وصورتها: رجل اشترى من آخر شجراً في قرية واستأجر أجيراً لقلعها، وذهب إلى موضع الشجرة ثم إن البائع مع المشتري تقايلا البيع في الشجرة ولم يتهيأ (٣٩أ٤) قطع الشجرة هل يجب للأجير أجر الذهاب؟.
فقلنا: إن استأجرا الأجير ليذهبوا إلى موضع الشجرة ويقلعوها فلهم أجر الذهاب؛ لأن العقد انعقد على شيئين على الذهاب والقلع، وإن استأجرهم لقلع الشجرة ولم يتعرض للذهاب في العقد فلا أجر لهم.