يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فيجوز كما لو استأجر داراً أو بيتاً، فإن كان حماماً للرجال وحماماً للنساء وقد حددهما جميعاً إلا أنه سمى في الإجارة حماماً، فالقياس أن لا تجوز هذه الإجارة، وفي الاستحسان تجوز.
وجه القياس: أن المعقود عليه مجهول وجهالة المعقود عليه توجب فساد الإجارة، كما لو قال: استأجرت منك هذين الحمامين وإنما قلنا ذلك؛ لأنه استأجر حماماً والحمام اسم للفرد لا للتثنية، وإذا كان اسماً للواحد كان المستأجر أحدهما فيكون المعقود عليه مجهولاً فهذا وجه القياس.
ووجه الاستحسان أن المعقود عليه معلوم فتكون الإجارة جائزة، كما لو قال: استأجرت هذين الحمامين وإنما قلنا ذلك وذلك؛ لأن التثنية إن لم توجد نصاً وجد معنى بالتحديد فإن حدد الحمامين جميعاً والثابت بالتحديد كالثابت نصاً.
فإن قيل: إن تثبت التثنية بالتحديد لم تثبت التثنية باعتبار التسمية، فإنه سمى الحمام وإنه اسم للفرد لا للتثنية، فإن جاز باعتبار التحديد لا يجوز باعتبار التسمية فلا يجوز.
والجواب عنه: أن التثنية تثبت بالتحديد من حيث المعنى حقيقة وبالتسمية من حيث المجاز، فإن الحمام يذكر في العرف باسم الفرد، ويراد به التثنية فإنه يقال: هذا حمام فلان وإن كان حمامان، وإذا ثبتت التثنية باعتبار التحديد معنى، وباعتبار التسمية من حيث المجاز يرجع جانب الجواز قال مشايخنا: هذا إذا كان باب الحمامين واحداً والدهليز واحداً أما إذا كان لكل واحد منهما باب على حدة لا يجوز العقد حتى يسميهما، وعمارة الحمام في إصلاح قدره ومسيل مائة وما لا يتهيأ الانتفاع إلا به على الآجر؛ لأنه من مرافق الحمام فيكون في إصلاحه إصلاح الحمام وإن شرط المرمة على المستأجر فسدت الإجارة؛ لأن قدر المرمة يصير أجرة وإنه مجهول، ولو شرط رب الحمام على المستأجر وعشرة دراهم كل شهر لمرمته مع الأجر كان جائزاً؛ لأن جميع الأجر معلوم وهذا هو الحيلة لجواز الإجارة متى أراد أن يجعل بعض المرمة أجراً حين قدر ما يحتاج إليه للمرمة في الإجارة، ثم يأمره بصرف ذلك إلى المرمة فيصير وكيلاً من جهته بالإنفاق عليه.
هكذا ذكر في «الكتاب» : ولم نجد فيه خلافاً من مشايخنا من قال ما ذكر في «الكتاب» قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز هذا التوكيل إذا لم يعين الآجر أو باعه الآلات؛ لأن المصروف إليه الدين يكون مجهولاً وهذا يمنع جواز الوكالة على مذهبه، كما لو قال: أسلم ما لي عليك من الدين ولم يبين المسلم إليه، ومنهم من قال: بأنه يجوز بلا خلاف فيحتاج أبو حنيفة رحمه الله إلى الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة البيوع.
ووجه الفرق له وهو: أن حالة التوكيل بشراء الآلة واستئجار الأجراء للأجرة غير واجبة حتى يكون أمراً بصرف الدين إلى المجهول فلا يجوز وإذا لم تكن الأجرة حالة التوكيل كان بمنزلة ما لو وكله بهذا قبل الإجارة وقبل الإجارة لو وكله بهذا جازت هذه الوكالة وإن لم يعين بائع الآلة ولا الآجر إلا أنه ليس له على الوكيل دين حتى يصير أمراً