للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متفرقاً. وهذا لأن الثوب لا يتشرب الصبغ دفعة واحدة؛ ولكن شيئاً فشيئاً فلا يقع الفرق بين أن يكون مجتمعاً أو متفرقاً. وستأتي هذه المسألة مع زيادة تفريعات في فصل المتفرقات إن شاء الله تعالى.

ولو دفع إلى صباغ ثوباً، وأمره بصبغه بزعفران أو ببقم، فخالف بصبغه غير ما سمى، إلا أنه من ذلك الصبغ يريد به أنه لم يسبغ صبغة، وقد كان أمره صاحب الثوب أن يسبغه، فالمالك بالخيار، إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض، ويسلم له الثوب، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله، لا يزاد به المسمى.

في «الأصل» وفي «القدوري» إذا أمر إنساناً أن ينقش اسمه في فص خاتمه، فغلط ونقش اسم غيره، ضمن الخاتم؛ لأنه فوت عليه الغرض المطلوب من الخاتم، وهو الختم به فصار كالمستهلك له.

ومنه لو أمره أن يحمر له بيتاً فخضر، فقال: (٤٩أ٤) يعطيه ما زاد الخضرة فيه ولا أجر له؛ لأنه عمل ما لم يستأجر له، فلا يستحق الأجر، ولكن يعطيه من قيمة الصبغ ما زاد في البيت.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» عن أبي حنيفة رحمه الله: في رجل استأجر أرضاً ليزرعها حنطة، فزرعها رطبة، قال: هو ضامن يريد به أن يمكن في الأرض نقصان ولا أجر عليه، وهذا لأن الرطبة لا يعرف نهايتها وضررها بالأرض ظاهر، وإنه يخالف ضرر سائر وجوه الزراعة، فصار غاصباً فلا يجب الأجر.

قال محمد رحمه الله فيه أيضاً: في رجل دفع إلى خياط ثوباً، وأمره أن يخيطه قميصاً بدرهم، فخاطه قباء، وأقر بالخلاف فلصاحب الثوب الخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه وترك القباء عليه، وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثل ما عليه لا يجاوز به المسمى هكذا ذكر ههنا. وفي «الأصل» . وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لا خيار لصاحب الثوب والخياط ضامن قيمة ثوبه. بعض مشايخنا قالوا: أراد بالقباء العرطق الذي هو ذو طاق واحد، فإن هذا القباء يشبه القميص، فإن بعض الناس يستعملونه استعمال القميص، فكان موافقاً من وجه مخالفاً من وجه، فإن شاء رضي به باعتبار جهة الموافقة، وإن شاء تركه باعتبار جهة المخالفة إلا أن في الكتاب أطلق القباء إطلاقاً فيدل على أن الحكم في الكل واحد.

وجه ما روى الحسن: أن الخياط مخالف من كل وجه؛ لأنه خالفه في جنس ما أمر به، فإنه أمره بخياطة القميص وهو قد خاط القباء، والقباء ليس من جنس القميص، فكان مخالفاً من كل وجه، فيكون غاصباً من كل وجه. وحكم الغاصب من كل وجه أنه متى قطع ثوب غيره، وخاطه يملكه بالضمان ولا يبقى لصاحب الثوب الخيار، فكذلك هذا. وجه ظاهر الرواية هو: أن الخياط فيما صبغ موافق من وجه، مخالف من وجه، فيتخير كما لو خالفه في خياطة القميص من حيث الطول والقصر، إلا أن عبارة مشايخنا اختلفت في إثبات الموافقة من وجه منهم من يقول: إن خياطة القباء تشبه خياطة القميص من وجه

<<  <  ج: ص:  >  >>