لا يعد هذا القدر من الذهاب تضييعاً مثل، أن يكون في سكة غير نافذة، أو يكون في بعض القرى فحينئذ لا ضمان. ورأيت في بعض الفتاوى: إذا ربط الحمار المستأجر على باب داره، ودخل داره ولم يجد الحمار، فهو ضامن إن غاب عن بصره من غير فعل. وإذا كان للمستأجر حماران فاشتغل بحمل أحدهما فضاع الآخر، إن غاب عن بصره فهو ضامن.
وفي فتاوي «الأصل» إذا استأجر حماراً فضل في الطريق، فتركه ولم يطلبه حتى ضاع، قال:(٥٠أ٤) إن ذهب الحمار من حيث لا يشعر به، وهو حافظ له فإذا علم فطلبه ولم يظفر به، فلا ضمان عليه. وكذلك لو لم يطلب، وكان آيساً من وجوده، لو طلب بالقرب في حوالي الموضع الذي ذهب منه لا ضمان؛ لأن المطلوب من الأمين الحفظ، وإن ذهب وهو يراه ولم يمنعه، فهو ضامن يريد به إذا غاب عن بصره؛ لأنه لم يمنعه، فقد قصر في الحفظ فيصير ضامناً. وعلى هذا مستأجر الحمار إذا جاء بالحمار إلى الخباز، وترك الحمار واشتغل بشراء الخبز فضاع الحمار، إن غاب عن بصره فهو ضامن، وإن لم يغب عن بصره فلا ضمان.
وفي «فتاوى الفضلي» : إذا استأجر حماراً وربطه على رأى في سكة نافذة، وهناك قوم نيام ليسوا من عيال المستأجر، ولا من أجرائه فسرق الحمار، فإن كان المستأجر لم يستحفظهم ضمن لتركه الحفظ الواجب عليه. وإن كان استحفظهم أو بعضهم وقبلوا حفظه ولم يكن اشترط ركوب نفسه في عقد الإجارة، وكان الأغلب في مثل ذلك الموضع إن لزم من يحفظ الدواب فيه لا يكون إضاعة لها، لم يضمن لأنه ليس بمضيع ولا تارك الحفظ. وإن كان الموضع موضعاً يلزم من يحفظ الدواب، يكون إضاعة لها فهو ضامن. يعنى: إذا لم يستحفظهم، فأما إذا استحفظهم وقبلوا حفظه، فالضمان على الذي قبل الحفظ لا على المستأجر؛ لأن الذي قبل الحفظ هو المضيع.
هذا كله إذا لم يشترط المستأجر ركوب نفسه أما إذا اشترط ركوب نفسه ضمن على كل حال لأنه إذا شرط ركوب نفسه ليس له أن يودعها من أجنبي، لأنه ليس له أن يعيرها أو يؤجرها من غيره. ومن ليس له الإعارة والإجارة، ليس له الإيداع؛ لأن الإعارة والإجارة نوع ائتمان فإذا لم يشترط ركوب نفسه فله أن يودع؛ لأن له أن يعير ويؤاجر فله أن يودع.
ومن هذا الجنس: رجل استأجر حماراً واستأجر رجلاً؛ ليحفظ الدابة فهلكت الدابة في يد الأجير، إن كان المستأجر استأجرها ليركب بنفسه يضمن. وإن لم يسم الراكب فلا ضمان. والمعنى ما ذكرنا.
وفيه أيضاً استأجر حماراً ليحمل عليها إلى المدينة، فحمل وساقه في طريق المدينة، ثم تخلف لحاجة بول أو غائط أو حديث مع غيره، فذهب الحمار قبله وعطب، فإن لم يتعمد عنه الحمار ولم يتوار عنه فلا ضمان. وإن توارى عنه فهو ضامن لأنه مضيع.