فأما الأجير للخدمة مأمور بالعمل في متاع البيت؛ لأنه هو الذي يتولى رفعها ووضعها، فإذا تولد من ذلك فساد لا يكون عليه ضمان؛ لأنه تولد من عمل مأذون فيه. وكان قياس الوديعة من مسألتنا أن لو سقطت الوديعة من يد المودع، فهلكت وهناك لاضمان لأن الهلاك حصل من الإمساك. وإنه مأذون فيه فكذلك هذا. ولو أن أجير القصار فيما يدق من الثياب انقلبت منه المدقية، فوقعت على ثوب فتخرق، فهذا على وجهين:
أما إن انقلبت المدقة أولاً على الثوب قبل أن يقع على الخشبة التي يدق عليها، أو انقلبت بعدما وقعت على الخشبة التي يدق عليها، فإن انقلبت قبل أن يقع على ثوب القصارة وخرق ثوباً. إن كان من ثياب القصارة فلا ضمان عليه، وإنما الضمان على الإستاد، لأن الخرق حصل من عمل القصارة فيما كان من ثياب القصارة فيكون بإذن الإستاد؛ لأنه أجير بالقصارة في حق هذا الثوب، وأجير القصار لا يضمن ما جنت يده، وإنما يضمن الإستاد. وإن وقع على ثوب ليس من ثياب القصارة، فإن الأجير يضمن لأن الخرق حصل بغير إذن الإستاد؛ لأن الإذن بالعمل يثبت بالإجارة، وإنه أجير فيما كان من ثياب القصارة، ليس بأجير فيما ليس من ثياب القصارة، فيكون هو والأجنبي في ذلك سواء.
فأما إذا انقلبت المدقة بعدما وقعت على الخشبة التي يدق عليها ثياب القصارة، فأصابت ثوباً آخر، ذكر في «ظاهر الرواية» : أنه لا يضمن بلا تفصيل، بين أن يكون ذلك الثوب من ثياب القصارة أو لم يكن من ثيابه.
حكي عن أبي بكر البلخي رحمه الله أنه كان يقول: يجب أن يكون الجواب فيه، كالجواب فيما إذا وقعت المدقة ابتداء على هذا الثوب، وقد ذكر الجواب فيه على التفصيل، فكذلك هذا.
وهذا لأن الإذن بالعمل ثبت بالإجارة، وإنه أجير بالقصارة فيما كان من ثياب القصارة، وليس بأجير فيما ليس من ثياب القصارة، ولكن في «ظاهر الرواية» لم يفصل. فكأنه فرق بين انقلاب المدقة على الثوب الذي ليس من ثياب القصارة قبل وقوعها على الخشبة، وبين انقلابها بعدما وقعت على الخشبة، وعليها ثياب القصارة.
ووجه الفرق بينهما أن الانقلاب متى حصل أولاً على الثوب الذي ليس من ثياب التجارة، فهذا العمل غير مأذون فيه أصلاً؛ لأن الإذن ثبت بالإجارة، وإنه أجير فيما كان من ثياب القصارة، لا فيما ليس من ثياب القصارة فإذا حصل هذا بغير إذن بقي مقصوراً على الأجير. ولم ينتقل إلى الإستاد، فكان الضمان على الأجير لا على الإستاد.
فأما إذا وقع أولاً على الخشبة التي يدق عليها وعليها ثوب القصارة ثم انقلبت إلى ثوب آخر ليس من ثياب القصارة وتخرق فهذا العمل حصل بإذن الأستاد لأنها وقعت على ثوب القصارة أولاً، وإنه أجير في حقه، فيكون مأذوناً في دقه. وإذا كان هذا العمل حاصلاً بإذن الإستاد انتقل هذا القدر من العمل إلى الإستاد، فكأن الإستاد دق بنفسه ثم انقلبت المدقة بعد ما وقعت على الخشبة التي يدق عليها، وأصاب الثوب فتخرق. ولو كان كذلك يجب الضمان على الإستاد لا على الأجير، فكذلك هذا.