للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق أن في المسألة الثانية: الأجر صار مملوكاً للآمر، فالمؤاجر بالقبض يريد إزالة ذلك عن ملك الآمر، أما في المسألة الأولى الآمر لم يملك شيئاً، فالمؤاجر بالنقص لا يزيل ملكه عن شيء، فافترقا.

وإذا وكل الرجل رجلاً أن يستأجر له داراً بعينها من رجل هذه السنة بمئة درهم، فأستأجرها الوكيل وقبضها من المؤاجر، وأراد الموكل أخذها من الوكيل، فمنعها الوكيل من الموكل حتى يأخذ الأجر، فهذه المسألة على وجوه:

الأول: أن تكون الأجرة مطلقة، وفي هذا الوجه ليس للوكيل أن يحبس الدار من الموكل؛ لأن الوكيل بالاستئجار في حق الحقوق كأنه أستأجره لنفسه، ثم أجر من الموكل، ولو كان هكذا وكان الأجر مطلقاً لم يكن للوكيل منع الدار؛ لأجل الأجرة لأن الأجرة لا تملك بنفس العقد، فكذا ههنا. فإن منعها الوكيل مع أنه ليس له حق المبيع حتى مضت السنة، فالأجر واجب على الوكيل؛ لأن الوكيل في حق الحقوق بمنزلة العاقد لنفسه. والأجر من حقوق العقد ولو أستأجر الدار لنفسه سنة، وقبض الدار مدة الإجارة كان عليه الأجر، وإن لم يسكن كذا ههنا. ويرجع الوكيل على الموكل بالأجرة؛ لأن الوكيل قبض الدار من الآجر وله حق القبض، وقبض الوكيل متى حصل بحق، فهو بمنزلة قبض الموكل في حق المعقود عليه لأن يد الوكيل في حق المعقود عليه الذي يقابله البذل يد أمانة ونيابة، وللمنفعة حكم الوجود شيئاً فشيئاً في حق حكم العقد. فإذا صار يد الوكيل كيد الموكل صار كأن المنافع وجدت شيئاً فشيئاً في يد الموكل، فلا يسقط شيء من الأجر إلا إذا خرجت يد الوكيل من أن تكون يد الموكل، وذلك يأخذ معينين، بأن يحبس الوكيل العين بالبدل حتى تصير يد الوكيل يد ضمان بحكم العقد، وذلك لم يوجد ههنا؛ لأنه ليس للوكيل ههنا حق الحبس بالأجرة.

والثاني: أن يصير الوكيل غاصباً، ولا يمكن تحقيق الغصب ههنا لا في حق المنافع، لأن المنافع ليست بمحل الغصب عندنا، ولا في حق العين؛ لأنه لو اعتبر غاصباً للعين إما أن يعتبر من الآجر، أو من الموكل، لا وجه إلى الأول؛ لأن قبض الوكيل الدار من الأجر حصل بحكم العقد ولا وجه إلى الثاني؛ لأن الموكل ليس بمالك للعين والغصب من غير المالك لا يتصور. وإذا لم تنقلب يد الوكيل يد غاصب، ولا يد ضمان بحكم الحبس تثبت يد الوكيل يد أمانة، فصار حدوث المنافع في يد الوكيل ووجودها في يد الموكل سواء.

الوجه الثاني: أن يكون الأجر مؤجلاً إلى سنة، والجواب في هذا الوجه نظير الجواب في الوجه الأول. والكلام في هذا الوجه أظهر؛ لأن العقد إذا كان مطلقاً، فالأجرة لا تجب إلا بالسكنى، وإذا كان الأجر مؤجلاً لا يجب إلا بعد السنة، فكان انعدام حق الحبس للوكيل ههنا أظهر وأبين، فكان أولى بأن لا تتبدل يده عن النيابة، والأمانة بالضمان.

ولو غصب رجل أجنبي الدار من المستأجر، أو من الآجر حتى تمت السنة لم يجب عليها أجر؛ لأن يد الغاصب ليس كيد الوكيل، ولا كيد الآمر فيما يرجع إلى حكم العقد،

<<  <  ج: ص:  >  >>