والمنافع تحدث شيئاً فشيئاً، فحصل هلاك المعقود قبل قبض العاقد، وقبل قبض من وقع له العقد، فأوجب سقوط الأجر. بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك الدار في يد الوكيل عند حدوث المنفعة حقيقة، ويد الوكيل يد الموكل حكماً، فحصل هلاك المعقود عليه بعد قبض من وقع له العقد، من حيث الحكم فلهذا لم يسقط الأجر.
ورأيت في تعليق جدي القاضي الإمام الأجل جمال الدين ذكر في بعض الروايات: أن الوكيل في هذه الصورة لا يرجع بالأجر على الآمر استحساناً. قال: ثمة وهو الصحيح، فكأنه مال إلى الوكيل بالحبس صار غاصباً الدار من الآمر، والغصب من غير المالك منصور في الجملة، فصار هذا وما لو غصبه أجنبي سواء.
وهكذا روى ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف، وأشار جدي إلى المعنى فقال: قبض الوكيل كقبض الموكل، فوقع قبض الوكيل أولاً للموكل، وصار الوكيل بالسكنى بعد ذلك غاصبا السكنى من الموكل، فيوجب ذلك سقوط الأجر عن الموكل. وأشار ابن سماعة إلى المعنى لأبي يوسف فقال: الوكيل بالاستئجار في حق الحقوق كأنه استأجر لنفسه، ثم أجر من الموكل حكماً. ولو كان هكذا حقيقة، ولم يسلم الوكيل الدار إلى الموكل حتى مضت المدة لم يستحق الوكيل الأجر على الموكل، كذا ههنا.
قال: وكذلك لو كان الآمر قبض الدار من الوكيل، ثم تعدى عليها الوكيل فأخرجها من يد الآمر حتى مضت السنة، لزم الأجر لرب الدار على الوكيل، ويرجع الوكيل بها على الآمر؛ لأن الوكيل قبض الدار وله حق القبض، فصار الموكل قابضاً بقبضه حكماً، فلو سقط الأجر عن الآمر، إنما يسقط إذا خرج يد الوكيل من أن يكون يد الموكل، ولم يخرج على ما مر.
فإن إنهدمت الدار من سكنى الوكيل، فلا ضمان عليه؛ لأنه لم يصر غاصباً الدار (٥٦ب٤) من الآمر ولما مر ولم يصر غاصباً من الآجر، وله حق القبض، وكذلك لم يصر غاصباً بالسكنى؛ لأن أكثر ما في الباب أنه شرط سكنى الآمر إلا أن السكنى مثل السكنى، إلا أن من أستأجر داراً ليسكنها بنفسه، فأسكنها غيره بأجر وبغير أجر، لم يصر مخالفاً حتى يلزمه الأجر فههنا كذلك. ثم قال محمد رحمه الله في هذه المسألة، وفي المسألة الأولى: أن الوكيل يرجع بالأجر على الآجر في القياس.
وإنما أراد به والله أعلم القياس على الوكيل بالشراء فإن الوكيل بالشراء إذا حبس، وليس له حق الحبس حتى هلك، لا يسقط الثمن عن الآجر، فكذا لا يسقط الأجر عن الموكل ههنا هذا الذي ذكرنا إذا استأجر الوكيل الدار سنة بمئة درهم مؤجلة، أو مطلقاً. فأما إذا شرط الوكيل تعجيل الأجر لا يصح عليه وعلى الآمر؛ لأن الأجر مطلق وتعجيل الأجر معتاد، فيملك الوكيل ذلك، فالوكيل بالبيع المطلق يملك البيع بالأجل المعتاد بالاتفاق فههنا كذلك فإن قبض الوكيل الدار ودفع الأجرة، أو لم يدفع فله أن يمنع الدار من الآجر حتى يستوفي الأجر، لما ذكرنا أن الوكيل بالاستئجار في حق حقوق، العقد كأنه استأجره لنفسه ثم أجره من موكله. ولو أستأجر لنفسه ثم أجره من موكله بشرط