للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الإسكاف ما لو أقر الإسكاف به لزمه، فإذا أنكر يستحلف فأما يمين المستصبغ لا يفيد؛ لأنه لو نكل لا يلزمه شيء، كما لو أقر به.

قال: وإذا اختلف الصباغ ورب الثوب فقال رب الثوب: أمرتك بأن تصبغه بعصفر، وقال الصّباغ: أمرتني بأن أصبغه بزعفران. قال: القول قول رب الثوب مع يمينه. وهذا قول علمائنا. وقال ابن أبي ليلى: القول قول الصباغ مع يمينه. والخلاف في هذه المسألة، نظير الخلاف فيما إذا قال: أكلت مالك بإذنك، أو هدمت دارك بأذنك، وأنكر صاحب المال الإذن، فعلى قول علمائنا رحمهم الله: القول قول صاحب المال مع يمينه، ويضمن المقر. وعلى قول ابن أبي ليلى القول قول المقر مع اليمين، ولا ضمان عليه. وذهب في ذلك أن المقر ينكر سبب الضمان، وصاحب المال يدعي عليه، فيكون القول قول المنكر. كما لو أنكر الأكل أصلاً، وإنما قلنا: إنه ينكر سبب الضمان؛ لأنه أقر بأكل موصوف بالإذن، وصبغ وخياطة موصوف بالإذن وهذا غير موجب للضمان، فكان منكراً للضمان من الأصل، كما لو قال: أقررت لك بألف درهم وأنا صبي أو مجنون، وقال المقر له: لا بل أقررت، وأنت بالع أو صفيق. وعلماؤنا: ذهبوا إلى أنه أقر بالسبب الموجب للضمان، وادعى ما يبرئه وأنكر صاحب المال البراءة، فيكون القول قوله كما لو أقر بالدين وادعى القضاء والإبراء وأنكر صاحب الدين، وإنما قلنا: أقر بالسبب الموجب للضمان، وذلك لأنه أقر بالأكل وبالصبغ في ثوب الغير، وهذا سبب الضمان في الصبغ متى اختار المالك ترك الثوب على الصباغ، وادعى الإذن إلا أن الإذن لم يثبت بمجرد دعواه، لما أنكر صاحب المال؛ لأنه دعوي عليه وإذا لم يثبت الإذن بقي مقراً بأكل مطلق بغير إذن، وإنه سبب ضمان. بخلاف ما لو أضاف الإقرار إلى حال الصبي؛ لأن الخلاف ثمة وقع أن السّبب قد وجد، أو لم يوجد، المقر يقول: لم يوجد لأن إقرار الصبي والمجنون لا يكون إقراراً، فكان المقر منكرا الإقرار من حيث المعنى، والمقر له مدعياً، فكان بمنزلة ما لو أدعى أنه أقرّ له والمدعى عليه قال: لم أقرّ لك وكان كما لو قالت المرأة: تزوجتني وأنا صبية، وقال: لا بل تزوجتك وأنت

بالغة كان القول قول المرأة؛ لأنها أنكرت النكاح معنى، وأما ههنا سبب الضمان قد تحقق، وهو الأكل والصبغ والقطع والخياطة، وإنه سبب ضمان إلا أنه ادعى البراءة بدعوى الإذن وأنكر صاحبه، فيكون القول قول صاحب المال، ووجه آخر للفرق وهو أن إضافة الإقرار إلى حالة الصبي ليس بدعوى على المقر له، ولكن حكاية عن فعله فيثبت فعله بقوله، أما ههنا يدعي إذن صاحب المال، وإنه فعل يوجد من صاحب المال، فيكون دعوى عليه، فلا يثبت إذا أنكر.

قال: وإذا استصنع الرجل خفين عند إسكاف، فعمله ثم فرغ منه، قال المستصنع: ليس هذا على المقدار والخرر والتقطيع الذي أمرتك، وقال الإسكاف: بل هذا أمرتني وأراد الإسكاف أن يحلف صاحب المال ليس له ذلك، بخلاف الصباغ إذا ادعى أن ما صبغ كان بأمره، وأراد صاحب الثوب كان له ذلك، وذلك لأن الصباغ يدعي على

<<  <  ج: ص:  >  >>