للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشايخنا قالوا عليه أن يسلم؛ لأن السلام سنة متبعة، ولا يجوز ترك السنة لأجل العلم، وهذا القائل يقول: إن الأمير والوالي إذا دخل المسجد، فالأولى أن لا يسلم لما قلنا، وإذا دخل المسجد، وجلس ناحية منه لفصل الخصومة، لا ينبغي له أن يسلم على الخصوم، ولا ينبغي للخصوم أن يسلم عليه أما لا ينبغي له أن يسلم، لأنه إنما جلس لفصل الخصومة فينبغي أن يشتغل بما جلس له لا بغيره، ولأن القاضي جالس، والسنة في السلام أن يسلم القائم على الجالس، والماشي على القائم، والراكب على الماشي، وأما لا ينبغي للقوم أن يسلموا عليه لأن السلام تحية الزائرين، والخصوم ما تقدموا إليه لأجل الزيارة، إنما تقدموا إليه لأجل الخصومة، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» .

وبعض مشايخنا يقيسون الأمراء والولاة على القضاة، فقالوا: هم لا يسلمون على الرعية، والرعية لا يسلمون عليهم، قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي: والصحيح هو الفرق بين القضاة والأمراء والولاة، والرعية يسلمون على الأمراء والولاة، والخصوم لا يسلمون على القضاة، والفرق وهو أن القاضي ما جلس للزيارة، والخصوم ما تقدموا إليه لأجل الزيارة والسلام تحية الزائرين فلا يسلمون عليه لهذا، وأما الأمراء والولاة يجلسون للزيارة لا لفصل الخصومات، والناس يدخلون عليهم لأجل الزيارة، فيسلمون عليهم لما ذكرنا أن السلام تحية الزائرين، فعلى قول هذا لو جلس الأمير لفصل الخصومة لا يسلمون عليه، ولو جلس القاضي لزيارة الناس يسلمون عليه، ولو سلم الخصوم على القاضي بعد ما جلس ناحية من المسجد لفصل الخصومات، فلا بأس بأن يرد عليهم السلام، هكذا ذكر الخصاف، وهذا إشارة إلى أنه لا يجب عليه رد السلام، وهذا لأن الرد جواب السلام، والسلام إنما يستحق الجواب إذا كان في أوانه، أما إذا كان في غير أوانه فلا.

ألا ترى أن من سلم على المصلي لا يستحق الجواب، وإنما لا يستحق لما قلنا حكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد الفضل البخاري رحمه الله أنه كان يقول: من جلس لنفع تلامذته فدخل عليه داخل وسلم، وسعه أن لا يرد، لأنه إنما جلس للتعليم لا لرد السلام فلا يكون السلام في أوانه، وإذا جلس القاضي لفصل الخصومات ينبغي أن يقيم بين يديه رجلاً يمنع الناس عن التقدم بين يديه في غير وقتها، ويمنعهم عن إساءة الأدب، ويقال له صاحب المجلس، وله أسامي الشرطي، والعريف، والحلوان.

وينبغي أن يكون معه سوط؛ لأنه يحتاج إلى تأديب السفهاء، والتأديب عادة يكون بالسوط، وقد كان لرسول الله عليه السلام قضيب يأخذ بيده، وكان ذلك القضيب معه إلى أن توفي عليه السلام، ثم صار القضيب في يد أبي بكر رضي الله عنه، ثم صار في زمن عمر رضي الله عنه الدرة، ثم صار بعده السياط.

وينبغي أن يكون أميناً لأن مجلس القاضي بحضرة النسوان، فيؤدي إلى الفتنة لو لم يكن أميناً، وينبغي أن لا يكون طماعاً حتى لا يرتشي، فلا يميل إلى بعض الخصوم، ولا يترك إذا أساء الأدب.

وإذا جلس الخصمان بين يدي القاضي، ورأى القاضي أن يأمر صاحب المجلس

<<  <  ج: ص:  >  >>