للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليقوم معدتيه حتى لا يعرف ما يدور بين الخصمين وبين القاضي، ولا يعلم به أحد الخصمين ولا يلق شيئاً فعل ذلك، وإن كان ثقة مأموناً، فتركه بقرب منه، فلا بأس والقاضي أن القاضي يعمل ما فيه النظر والاحتياط في أمور الناس، ولا ينبغي لهذا الرجل أن يسار لأحد الخصمين، لأنه ربما يتهم الخصم الآخر أنه واضعه على شيء، فيجر بذلك تهمة إلى القاضي، وينبغي للقاضي إذا تقدم إليه الخصمان أن يسوي بينهما في النظر، والمجلس فيجلسهما بين يديه، لأن القاضي مأمور بالعدل والإنصاف بين الخصوم وعين العدل التسوية بينهما في المجلس إذا أجلسهما بين يديه، لأنه إذا لم يجلسهما بين يديه أما إن أجلسهما من جانب واحد وفيه تفويت التسوية، لأن أحدهما يكون أقرب إلى القاضي، وأما إن أجلس أحدهما من جانب، والآخر من جانب وفيه تفويت التسوية أيضاً؛ لأن لليمين فضلاً على الشمال.

وفي «النوازل» : رجل خاصم السلطان إلى القاضي، فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه، والخصم على الأرض ينبغي للقاضي أن يقوم من مكانه، ويجلس خصم السلطان فيه، ويقعد على الأرض، ثم يقضي بينهما حتى لا يكون مفضلاً أحد الخصمين على الآخر، وهذه المسألة دليل على أن القاضي إذا وقع له خصومة، أو عليه لا بأس أن يحكم فيه خليفته، وقد صح أن يهودياً ادعى على الرشيد دعوى في زمن أبي يوسف بين يدي أبي يوسف، وقد سمع أبو يوسف رحمه الله خصومتهما، وقضى على الرشيد، وإنه دليل على دليل القول أيضاً.

وحكي عن الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله أنه كان يقول: إذا وقع الدعوى بين الرجل وابنه ينبغي أن يسوي بينهما في المجلس، لأن الدليل الموجب للتسوية لا يوجب الفضل بين خصم وخصم، وينبغي للخصمين أن يجثوا بين يدي القاضي، أو صاحب مجلسه تعظيماً للحكم، كما يجلس المتعلم بين يدي المعلم تعظيماً للمعلم.

وينبغي للقاضي أن يسوي بينهما في النظر، ولا ينظر إلى أحدهما دون الآخر؛ لأن نظره إلى أحدهما إن كان نظر شفقة ورأفة، فقد مر تهمة الميل إلى نفسه، وإن كان نظر هيبة ينكر، قلت: المنظر فعسى يذهب ويترك حقه، فيكون القاضي هو المضيع لحقه، وكذلك لا ينبغي له أن يرفع صوته على أحدهما؛ لأنه ينكسر قلب الذي رفع صوته عليه، لأنه يجر به تهمة الميل إلى خصم الآخر، وكذلك لا ينبغي له أن يطلق بوجهه إلى أحدهما في شيء من المنطق ما لا يفعل ما لآخر مثله لما ذكرنا.

وكذلك لا ينبغي له أن يسأل على أحدهما، ويلقنه حجته، لأنه مكسرة لقلب الخصم الآخر، وسبباً لتهمة الميل.

<<  <  ج: ص:  >  >>