للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحاصل: أن القاضي مأمور بالتسوية فيما يقدر على التسوية وفيما في وسعه، وكل شيء يقدر على التسوية بينهما فيه لا يعذر تركها فيه، وما لا يقدر على التسوية فيه لا يؤاخذ بترك التسوية فيه، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسوي في القسم بين نسائه وكان يقول: «هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك» يعني: بميل القلب إلى عائشة رضى الله عنها.

قال صاحب «الأقضية» : وينبغي أن يكون جلوسهما بين يدي القاضي على قدر ذراعين، أو نحو ذلك بحيث يسمع كلامهما من غير أن يرفع أصواتهما، وهذا لأن القاضي لا يمكن من القضاء بحق على الوجه الذي أمر إلا بعد سماع كلامهما، والخصوم نهوا عن رفع الصوت بين يدي القاضي لما فيه من إسقاط حشمته، فقدرنا موضع جلوسهما بما قدرنا ليتمكن القاضي من القضاء على الوجه الذي أمر من غير أن يكون إسقاط حشمته وهيبته.

وينبغي للقاضي إذا جلس في المسجد أن يسند ظهره إلى المحراب، وكان الرسم في زمن الخصاف وغيره أن يجلس مستقبلاً القبلة بوجهه، ورسم زماننا أحسن؛ لأن القاضي إذا جلس مستقبل القبلة كان القوم والخصوم بين يده مستدبرة في القبلة، وإذا أسند القاضي ظهره إلى المحراب كان الخصوم والقوم بين يديه مستقبل القبلة، ويقف أعوان للقاضي بين يدي القاضي ليكون أهيب في أعين الناس، ويجب أن يكون قيامهم بعيد من القاضي حتى لا يسمعوا ما يدور بين القاضي وبين من تقدم إليه من الخصوم، ولا يعرفون رأي القاضي في بعض ما يقع لهم من المسائل، ولا يحتالون لإبطاله ويجلس كاتبه ناحية منه بحيث يراه حتى إذا احتاج إليه كان قادراً عليه (٦٧ب٤) ولأنه إذا كان يراه لا يخشى منه الزيادة والنقصان في الكتابة.

قال الخصاف في «أدب القاضي» : وإذا جلس القاضي للقضاء فلا بأس بأن يجلس مع نفسه من يثق بدينه، وأمانته وفقهه في مجلس الحكم قريباً منه، بحيث يسمعون كلامه وكلام من يحضره من الخصوم.

قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني: ينبغي للقاضي أن ينظر لنفسه وإن كان رأى رجلاً حيياً، ورأى جلوسه بانفراده أحسن لنفسه لا يجلس مع غيره؛ لأن الرجل إذا كان حييّاً ربما يحتشم ممن معه فينقطع، ويعجز عن أدراك الصواب، ولا يتبين له الحق لحيائه وحشمته ممن معه، وإذا كان معه يكون مجتمع الرأي يدرك الصواب، ولا يغيب عنه الصواب فإذا كان هكذا فالأصل أن لا يجلس معه غيره، وإن كان جريء القلب غريم الصواب والنصرة، فلا بأس بأن يجلس معه قوماً من أهل العلم والرأي والتدبير لمنافع.

أحدها: أن يكون أعظم لأمر القضاء وأهيب في أعين الناظرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>