والثاني: أنه إذا اشتبه إليه شيء يشاورهم وإذا أشكل عليه شيء سألهم.
والثالث: أنه إذا ضل يرشدونه وإذا زل ينبهونه، وقد جاء على هذا أثار من الصحابة والتابعين، ثم شرط الخصاف في الذي جلس مع القاضي الأمانة والديانة والفقه، أما اشتراط الأمانة، والديانة؛ فلأن مجلس القضاء يحضره الشبان من النسوان فلو لم يكن أميناً متديناً ربما يمكن فيه فساد، وأما الفقه فلأن المقصود من إجلاس غيره معه المشورة وإصابة الحق واستخراج الحكم، وإنما يحصل من الفقيه لا من غيره.
قال الخصاف: ولا ينبغي للقاضي أن يشاورهم بمحضر من الخصوم، حتى لا يقع في قلب من كان جاهلاً أن القاضي لا يدري ويسأل عن غيره فيذهب حرمته وماء وجهه، ثم إذا تقدم إليه الخصمان سأل المدعي دعواه هكذا ذكر الخصاف وصاحب كتاب «الأقضية» أبو جعفر رحمه الله.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ بعضهم قالوا: ليس للقاضي أن يسأل المدعي عن دعواه، لأن فيه تهيج الخصومة، والقاضي نصب لقطع الخصومة لا لتهييجها، ولكن يسكت ويستمع ما ادعاه المدعي، وبعضهم قالوا يسأل وبه أخذ الخصاف، وصاحب كتاب «الأقضية» ، وهذا لأن مجلس القضاء مجلس هيبة وحشمة، فمن لم ير مثل هذا المجلس يتحير وعسى يعجز عن بيان دعواه، فينبغي للقاضي أن يسأل ولو نسبه لكلامه حتى يقدر على بيان دعواه، وهكذا ذكر في «محاضر ابن سماعة» وهكذا ذكر في «المنتقي» .
وروي عن محمد رحمه الله: إن القاضي بالخيار إن شاء سأل وإن شاء سكت، وذكر الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله أن على قول أبي يوسف رحمه الله القاضي يسأل، وعلى قول محمد رحمه الله لا يسأل بل يسكت، ثم إذا سأله أو لم يسأله ولكن ادعى بنفسه سأل القاضي المدعى عليه عن دعوى المدعي في صحيفة وينظر فيه، أصحيح هو أو فاسد؟ فإن كان فاسداً لا تقبل على المدعى عليه؛ لأن الدعوى إذا لم تكن صحيحة لا يتوجه الجواب على المدعى عليه، ولكن يقول للمدعي قم فصحح دعواك هكذا ذكر الخصاف في موضع من «أدب القاضي» .
وذكر في موضع آخر أن القاضي لا يقول له ذلك، وبه أخذ بعض مشايخنا رحمهم الله، لأن هذا من القاضي تلقين، ولكن يقول له: دعواك هذه فاسدة، فلا يلزمني سماعها وهذا ليس تلقين بل هو فتوى بالفساد، وإنما يقول له: إن دعواك فاسدة؛ لأنه لو لم يقل له ذلك ربما يتهمه المدعي بالميل إلى خصمه حيث لم يقبل عليه، ولم يسأل الجواب فيبين ذلك، ليعلم المدعي أنه إنما لم يسأله؛ لأن السؤال لم يكن مستحقاً عليه، وإن كانت دعواه صحيحة فالقاضي يسأل المدعي عليه ويقول له: إن خصمك ادعى عليك كذا أو كذا فماذا تقول هكذا ذكر الخصاف، وصاحب كتاب «الأقضية» .
وفيه اختلاف المشايخ على نحو ما ذكرنا في جانب المدعي فإن عند بعض المشايخ لا يسأله القاضي الجواب، حتى لا يكون تلقينا، ولكن ينظر إليه ليأتي بالجواب ثم إذا