المعزول أربع مرات في أربع مجالس، فحبسني ليقيم عليّ الحدّ، فالقاضي المقلد لا يقيم عليه الحدّ بتلك الأقارير؛ لأن تلك الأقارير لا تكون حجة في حق القاضي المولى، فيستأنف الأمر، فإن أقر عنده أربع مرات في أربع مجالس، أقام عليه الحد، تقادم العهد أو لم يتقادم؛ لأن تقادم العهد يمنع صحة الشهادة، أما لا يمنع صحة الإقرار فيرجمه إن كان محصناً، ويجلده إن كان غير محصن، ولكن لا يعجل في إطلاقه لجواز أنه يجيء خصم في نفسه، وإن رجع عن الإقرار صح رجوعه، كما لو رجع عند القاضي الأول، ولكن لا يعجل القاضي في إطلاقه لتوهم الحيلة.
وإن قال: إنما حبست لأنه قامت البينة علي بالزنا، فحبسني القاضي المعزول ليقيم علي الحد، فيقول: البينة القائمة عند القاضي المعزول غير معتبرة في حق هذا القاضي، فلا يقيم عليه الحد بتلك البينة، ولو شهد الشهود عند هذا القاضي بزناه لا يقيم عليه الحد أيضاً، إذا كان العهد قد تقادم؛ لأن تقادم العهد يمنع صحة الشهادة، ولا يعجل في إطلاقه لتوهم الحيلة بل يتأنى، ويطلقه بعد ذلك بكفيل لما ذكرنا.
فإن قال بعض المحبوسين: إنما حبست لأني أقررت بشرب الخمر عنده، أو لأنه قامت البينة عليّ بشرب الخمر فحبسني ليقيم عليّ الحدّ، فهذا القاضي لا يقيم عليه الحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن حد الشرب إنما يقام على الشارب إذا كان الخمر في بطنه، والرائحة توجد منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله البينة والإقرار في ذلك على السواء، والمسألة معروفة في الحدود.
وإن قال: إنما حبست لأني أقررت بالسرقة من فلان، أو لأنه قامت البينة عليّ بالسرقة من فلان، فإن هذا القاضي يجمع بينه وبين خصمه؛ لأن الدعوى في السرقة شرط كما في باب المال، ولا يقضى عليه بالقطع تقادم العهد أو لم يتقادم، ولا يعجل في إطلاقه، ولو قامت البينة ثانياً لا يقضي عليه بالقطع إذا تقادم العهد فحد السرقة وحد الزنا في حق هذا الحكم على السواء.
الرابع: الحبس بسبب عقوبة هي بين حق الله تعالى وبين حق العبد، وهو حد القذف، إذا قال بعض المحبوسين: إنما حبست لأني قذفت هذا الرجل بالزنا، وصدقه ذلك الرجل في إقراره استوفى منه حد القذف، ولا يعجل القاضي في إطلاقه، ولو رجع عما أقر لا يصح رجوعه بخلاف الرجوع عن الحدود الخالصة لله تعالى.
جئنا إلى حكم الودائع والأموال.
إذا قال القاضي المعزول: على يدي فلان كذا وكذا دفعته من المال إليه، وهو لفلان بن فلان، فإن صدقه الذي في يديه المال في جميع ذلك أمر بالتسليم إلى المقر له، وهذا ظاهر، وإن قال: دفع إلي فلان القاضي المعزول هذا القدر من المال لكن لا أدري أنه لمن، وفي هذا الوجه أمر بالتسليم إلى المقر له أيضاً، لأنه أقر أن المال وصل إليه من جهة القاضي المعزول، فكان يده يد القاضي المعزول معنىً، وقد أقر القاضي المعزول أنه لفلان، وصاحب اليد إذا أقر بما في يده لغيره أمر بالتسليم إليه، وإن كان صاحب اليد