كذب القاضي المعزول في جميع ما قال، فالقول قوله، وهذا ظاهر أيضاً، وإن كان صاحب اليد قال: دفع إلي القاضي المعزول هذا القدر من المال، وهو لفلان آخر غير الذي أقر له القاضي، فهذا على وجهين:
أحدهما: هذا، وفي هذا الوجه يؤمر بالتسليم إلى الذي أقر له القاضي؛ لأنه لما أقر بالوصول إليه من جهة القاضي، فقد أقر باليد للقاضي من حيث المعنى، فلو كان في يد القاضِي حقيقة وهو يقول: إنه لفلان يؤمر بالتسليم كذا هاهنا.
الوجه الثاني: إذا بدأ بالإقرار بالملك بأن قال: المال الذي في يدي لفلان غير الذي أقر له القاضي المعزول دفعه إلى القاضي المعزول أمر بالتسليم إلى الذي أقر له صاحب اليد؛ لأن إقراره بالملك الأول قد صح لأنه أقر بما في يده، وتعلق به حق المقر له، فإذا قال بعد ذلك: دفع إلى القاضِي المعزول، فقد أقر باليد للقاضي المعزول، والقاضي المعزول يقر أنه لفلان، فقد أقر لمن أقر له القاضي به بعد ما أقر به الأول، فلا يصح إقراره للثاني في حق الأول، فإن دفع إلى الأول بغير قضاء ضمن للثاني، وإن دفع بقضاء، فكذلك عند محمد، وعند أبي يوسف لا يضمن.
أصل المسألة: إذا أقر الرجل أن هذا المال الذي في يدي لفلان دفعه إلى فلان آخر، وقال الدافع: هو ملكي، فإن هناك يؤمر المقر بالتسليم إلى المقر له الأول، وهل يضمن للثاني؟ فهو على التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا، والمسألة معروفة في كتاب الإقرار.
وإن قال القاضي المعزول: في يدي ألف درهم أصابه فلان اليتيم من تركة أبيه، وصدقه ذو اليد في ذلك، فإن لم يدع أحد من باقي الورثة ذلك المال فهو لليتيم؛ لأن صاحب اليد أقر للقاضي المعزول، والقاضي المعزول يقر به لليتيم، ولم ينازعه في ذلك أحد، فيكون ذلك لليتيم، وإن قال باقي الورثة: لم يستوف منا أحد حقه من تركة الميت كان ذلك المال مشتركاً بين جميع الورثة، واليتيم من جملتهم؛ لأن اليد للقاضي المعزول معنى، وهو قد أقر أن المال كان لوالد اليتيم، وما كان للإنسان يصير ميراثاً لجميع ورثته، ولا يختص به البعض إلا إذا ثبت استيفاء الباقين حقوقهم، ولم يثبت ذلك بقول القاضي المعزول لما أنكروا الاستيفاء؛ لأن القاضي المعزول بالعزل التحق بواحد من الرعايا، فقد صح إقرار القاضي المعزول أن هذا ملك والدهم باعتبار اليد المقر به، ولم يصح إقراره على سائر الورثة بالاستيفاء باعتباره يده المعنوية، وإذا لم يثبت هذا الاستيفاء، فإن هذا المال تركة الميت، فيقسم بين سائر الورثة، واليتيم من جملتهم، إلا أنه ينبغي للقاضي المقلد أن ينظر لليتيم ويحلف باقي الورثة بالله: ما استوفيتم حقوقكم من تركة والدكم فلان؛ لأنه عاجز عن النظر بنفسه فينظر له القاضي المقلد.
وإن قال القاضي المعزول: هذا المال لفلان اليتيم، ولم يقل: أصابه من تركة والده، وادعى باقي الورثة أنه من تركة والدهم فالمال لليتيم؛ لأن القاضي المعزول هاهنا ما أقر بالملك لوالد اليتيم ليصير مقراً بكونه ميراثاً لورثته، بل أقر لليتيم بالملك مطلقاً،