للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يجعل الابن وكيلاً له، فجعله وكيلاً قبل البينة عليه على المال، وحكم بالمال، ثم رفع إلى قاض آخر، فإنه لا يجيزه، قال: وإنما أستحسن في المفقود خاصة أن أجعل ابنه وكيلاً في طلب حقوقه، وإنما لم يجز القضاء لما ذكرنا أن هذا ليس بقضاء على الغائب، إنما هذا الذي أتى القاضي أخبر أن للغائب على هذا كذا، وإنه ليس بخصمه عن الغائب، بل هو فضولي، فلا ينفذ قضاؤه له؛ لأنه خارج عن أقوال الأئمة وأما المفقود، فهو كالميت في حق بعض الأحكام، وللقاضي ولاية نصب القيم في مسألة أما هنا بخلافه.

وروي عن محمد رحمه الله أنه قال: يجوز قضاؤه لاشتباه الدليل، فإن للقاضي ولاية نصب الوكيل عن الغائب في الجملة، ونظير هذا لو جاء رجل إلى القاضي، وقال: كان لفلان علي كذا من المال، وقد أوفيته، وإنه في بلد كذا، وإني أريد أن أقدم تلك البلدة، وأخاف أن يجحد ويأخذني بذلك، فإن القاضي يجعل عن الغائب خصماً، ويسمع عليه البينة، كذا لو جاءت امرأة إلى القاضي، وقالت: إن زوجي طلقني ثلاثاً، وإنه في بلد كذا، وإني أريد أن أقدم تلك البلدة، وأخاف أن يجحد الطلاق، فاسمع من شهودي، واكتب لي حجة، فإن القاضي يجعل عن الغائب خصماً، ويسمع عليه البينة لما مر.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله في قاض حجر على مستحق الحجر للفساد، فرفع ذلك إلى قاض آخر فأبطل الحجر، وأجاز البيع جاز قضاؤه، وبطل الحجر؛ لأن نفس القضاء بالحجر مختلف فيه، فلم ينفذ من الأول، وكان للثاني أن يبطله، وسيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى بخلافه، ولو رفع إلى قاض يرى جواز الحجر، فأجاز القضاء الأول بالحجر، وأبطل تصرفات المحجور، ثم رفع إلى غيره من القضاء، فليس له أن يبطل ذلك القضاء، ويجيز تصرفات المحجور؛ لأن ذلك القضاء صادف محلاً للاجتهاد، وهو نفاذ القضاء الأول، فينفذ ظاهراً وباطناً، فليس لأحد بعد ذلك أن يبطله.

وإذا قضى القاضي في المأذون في نوع أنه مأذون في نوع واحد، كما هو مذهب الشافعي عند شرائط القضاء من الخصومة والدعوى يصير مستفتاً عليه حتى لو رفع إلى قاض آخر يرى خلافه لا يبطله، ذكره محمد رحمه الله في أول «المأذون الكبير» ؛ لأن هذا الفصل مختلف بين السلف، قال شريح رضي الله عنه: لا يعتبر مأذوناً في الأنواع كلها، وبهذه المسألة تبين أن المختلف بين السلف كالمختلف بين الصحابة.

وفي «إقرار الأصل» إذا حجر القاضي على رجل حر، ثم أقر المحجور عليه بدين، فعلى قول أبي حنيفة إقراره صحيح؛ لأن على قول الحجر لم يصح، فصار الحال بعد الحجر كالحال قبله، وعلى قولهما لا يصح إقراره؛ لأن على قولهما: الحجر صحيح في التصرفات التي يبطله الهزل والكره، فالتحق بالصبي.

فإن قيل: ينبغي أن لا يصح الإقرار عندهم جميعاً؛ لأن القاضي بالقضاء بالحجر، فإذا قضى القاضي بالحجر فقد جعله موجباً، وهذا إشارة إلى أن يقضي القضاء بالحجر، ليس بمختلف فيه.

قلنا: هذا ليس بقضاء على الحقيقة؛ لأن القضاء لا بد له من مقضي عليه ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>