يشرطان الإعلان حتى لو حصل الإعلان بحضور الصبيان والمجانين يصح النكاح عندهما، وقد اعتبر خلافهما؛ لأن الموضع موضع اشتباه الدليل لأن اعتبار النكاح بسائر تصرفاته، أو بفسخه يقتضي أن لا يشترط الشهادة ولأن الشهادة بعض الدلائل المقتضية لجواز النكاح مطلقة عن اشتراط الشهادة، ولو قضى بجواز بيع المدبر نفذ قضاؤه؛ لأن المسألة مختلفة، الموضع موضع الاشتباه؛ لأن التدبير إن اعتبر سبباً للحرية للحال كانت الحرية ثابتة من وجهة، فيمنع جواز البيع، وإن اعتبر فرصة أو تعليقاً للحرية لا يمنع جواز البيع، فكان الموضع موضع الاشتباه من هذا الوجه، ولو قضى بشهادة الابن لأبيه، أو قضى بشهادة الأب لابنه نفذ قضاؤه عند أبي يوسف خلافاً لمحمد، هكذا ذكر في «الأقضية» .
واعلم بأن هذه المسألة كانت مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم، فعلي رضي الله عنه كان يرى جوازها، ثم أجمع المتأخرون على بطلانه، ورفع الخلاف عند محمد رحمه الله، فلم يكن قضاؤه في فصل مجتهد فيه، ولم يرفع الخلاف المتقدم عند أبي يوسف، فكان قضاؤه في فصل مجتهد فيه، وهذا تنصيص أن الخلاف بين أصحابنا في إيقاع الخلاف المتقدم بالإجماع المتأخر على نحو ما ذكره شمس الأئمة على ما بينا.
وإذا قضى بالشهادة على الشهادة فيما دون مسيرة سفر نفذ قضاؤه؛ لأنه مجتهد فيه، فأبو يوسف رحمه الله لا يشترط مسيرة السفر، وإذا قضى بشهادة شاهد شهد على خط أبيه، نفذ قضاؤه، وإذا قضى بأن العين لا يؤجل أبطل قضاؤه، وإذا قضى بشهادة شهود على وصية مختومة من غير أن تقرأ عليهم أمضاه الآخر، وكذلك إذا قضى بما في ديوانه وقد نسي، أو قضى بشهادة شهود على صك لا يذكرون ما فيه، إلا أنهم يعرفون خطوطهم وخاتمهم أمضاه الآخر، ولم يكن ينبغي للأول أن يفعل ذلك، وهذا كله قياس قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف.
وإذا قال الغريم للطالب: إن لم أفصل مالك اليوم فامرأته طالق، فعيب وخشي الغريم أن لا يظهر اليوم، فيجب في عينه، فأتى القاضي وأخبره فنصب القاضي عن الغائب وكيلاً، وأمر الوكيل بقبض المال من المطلوب حتى يبرء، فقبض المال وحكم بحاكم آخر (٧٩أ٤) فإن أبا يوسف رحمه الله قال: لا يجوز هذا، هكذا ذكر في «الأقضية» وهذا قولهم، وإن خص قول أبي يوسف بالذكر، وذكر الناطفي في «الواقعات» ذكر في كتاب الحسن بن زياد، أن القاضي ينصب وكيلاً عن الغائب، ويقبض ما عليه ولا يجب، قال الناطفي: وعليه الفتوي وجه ما ذكر، في «الأقضية» : أنه لو جاز هذا إنما يجوز من حيث إن نصب الوكيل عن الغائب مختلف فيه، إلا أن الخلاف فيما إذا ادعى رجل عن الغائب حقاً، وقامت البينة عليه، فعندنا القاضي لا ينصب عنه وكيلاً، وعند بعض العلماء ينصب عنه وكيلاً، ولم يوجد ذلك ها هنا، فلا يكون هذا قضاء على الغائب، لكن هذا تكلف تحرزاً عن الحنث، وكذلك لو قدم رجل رجلاً إلى القاضي، وقال: لأبي على هذا ألف درهم، وأبي غائب.