للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: مسألة دعوى الميت إذا كان مكان دعوى الوصاية دعوى النسب في هذه المسألة، بأن جاء رجل، وادعى أنه ابن الميت ووارثه، وأقام على ذلك بينة، وقضى القاضي بالنسب منه، إن كان القضاء بنسبه بعد قضاء الدين إليه لا ينفذ قضاؤه، وإن كان قبل قضاء الدين إليه، نفذ قضاؤه.

والفرق بينما قبل القضاء، وبينما بعد القضاء ما ذكرنا من الوجهين، وفي هذه المسألة على الفرق الثاني نوع إشكال؛ لأن انتفاء التهمة في شهادة الغريم بالإيصاء وقضائه، إنما كان؛ لأن للقاضي ولاية نصب الوصي بدون الشهادة، فلم يكن هذا النصب مضافاً إلى الشهادة، فأما ليس للقاضي ولاية إثبات النسب من غير شهادة، فكان ثبوت النسب مضافاً إلى الشهادة إلى ولاية القضاء، فكان قاضياً وشاهداً لنفسه من وجه.

قلنا: لا بل التهمة منتفية هنا أيضاً؛ لأنه لم يكن للقاضي ولاية إثبات النسب ابتداء، وله ولاية إثبات ولاية الاستيفاء للغير، وفي إثبات النسب إثبات ولاية الاستيفاء، وله ذلك، إن لم يكن له ولاية إثبات النسب، فيصلح قاضياً وشاهداً في القضاء بالنسب من حيث إن فيه إثبات ولاية الاستيفاء للغير، واثبات النسب أمر زائد على هذه الولاية، فتنفى التهمة من هذا الوجه.

المسألة الثالثة: إذا كان مكان دعوى الوصاية والنسب دعوى الوكالة، بأن غاب رب الدين، وجاء رجل، وأقام بينة أن رب الدين وكله بقبض الدين الذي له على القاضي، أو على من سميناه من قرابته، فقضى القاضي بوكالته لا يجوز سواء كان القضاء قبل دفع الدين إليه.

فرق بين الوصاية والوكالة قبل دفع الدين.

والفرق أن للقاضي ولاية نصب الوصي، وإن لم يكن على الميت دين، فلا يكون في هذا النصب عاملاً لنفسه أصلاً، فلا يكون قضاؤه لنفسه أصلاً، فأما ليس للقاضي ولاية نصب الوكيل عن الغائب، فهو بهذا القضاء يعمل لنفسه من حيث إنه يثبت من يقتضي منه فيبرأ بدفعه إليه، فيكون قاضياً لنفسه، فلهذا لا يصح، فإن رفع قضاه بالوكالة إلى قاض آخر، فإن كان القضاء بالوكالة بعد قضاء الدين رده لا محالة، ولو أمضاه لا يجوز إمضاؤه؛ لأنه وقع باطلاً، لأنه قضى لنفسه من كل وجه، وإن كان القضاء بالوكالة من الأول قبل قضاء الدين إليه، فأمضاه الثاني جاز إمضاؤه.

علل محمد رحمه الله في «الكتاب» فقال: لأن إمضاء الثاني جعل في فصل مجتهد فيه. واختلف عبارة المشايخ فيه، بعضهم قالوا: أراد به حقيقة الاختلاف، فمن المشايخ من يجيز القضاء بالوصاية، وبعضهم قالوا: أراد به اشتباه الدليل.

ووجه ذلك أن الوكالة أمانة في حال الحياة، والوصاية أمانة بعد الموت، فالقياس الظاهر يوجب التسوية، فينبغي أن يملك القاضي نصب الوكيل كما يملك نصب الوصي، وينبغي أن يملك القضاء بالوكالة، قبل قضاء الدين كما يملك القضاء بالوصاية، فإذا أخذ بالقياس الظاهر، وقضى بالوكالة قبل قضاء الدين، جعل قضاؤه في محل مجتهد فيه. أو

<<  <  ج: ص:  >  >>