للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: هذا قضاء على الغائب مجتهد فيه، فإن قيل: هذا القضاء إذا كان مجتهداً فيه ينبغي أن لا يتوقف على إمضاء قاض آخر، على ما مر.

قلنا: هذا هكذا إذا كان قضاء للغير من كل وجه، أما إذا كان قضاء لنفسه من وجه لا ينفذ بل يتوقف على إمضاء قاض آخر؛ لأن القضاء لنفسه باطل بلا خلاف، وهذا قضاء لنفسه من وجه من حيث إن به يحصل النفع لنفسه من حيث (٨٠أ٤) أن يقضيه الدين فيبرأ، وقضاء للغير من وجه من حيث إنه مما لا يقضيه الدين، وينتظر حضور الموكل، فيتوقف على إمضاء قاض آخر، فإن أدى اجتهاده إلى أنه قضاء للغير، وأمضاه نفذ؛ لأنه صادف محلاً مجتهداً فيه، فلا ينبغي لما يحصل له من النفع غيره.

ونظير هذا إذا قضى لامرأته يتوقف على إمضاء قاض آخر، وإن كان هذا القضاء مجتهداً فيه لهذا إن القضاء لنفسه باطل بلا خلاف، والخلاف في أن قضاء الرجل لامرأته، هل هو قضاء لنفسه من وجه؟ فإذا أمضاه قاض آخر يترجح جانب كونه قضاء للغير على كونه قضاء لنفسه، فينفذ ما صادفه محلاً مجتهداً فيه.

وقيل: ذلك لا ينفذ كذا هنا على أن في نفاذ القضاء على الغائب روايتان، فعلى إحدى الروايتين لا ينفذ؛ لأن نفس القضاء مختلف فيه، فيتوقف على هذه الرواية على إمضاء قاض آخر، وعلى إحدى الروايتين ينفذ ولا يتوقف؛ لأن على إحدى الروايتين لا خلاف في نفس القضاء، وإنما الخلاف في أن الإنكار على سبيل اليقين، هل هو شرط؟ فعلى قياس هذه الرواية ينبغي أن لا يتوقف القضاء بالوكالة هنا على إمضاء قاض آخر، والله أعلم.

إذا نصب القاضي مسخراً على الغائب لا يجوز، ولو حكم عليه لا يجوز، وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلاً عن الغائب ليسمع الخصومة عليه، والقاضي يعلم أن المحضر ليس بخصم، فالقاضي لا يسمع الخصومة عليه، وإنما يجوز نصب الوكيل عن خصم اختفى في بيته ولا يحضر مجلس الحكم، فالقاضي ينصب عنه وكيلاً، ولكن بعد ما بعث أمناءه إلى داره، ونودي على باب داره على ما ذكرنا، قبل ذلك، أما في ذلك الموضع فلا.

والدليل على أن نصب المسخر لا يجوز ما ذكر الخصاف في «أدب القاضي» : رجل ادعى عقاراً في يدي رجل، وأقام البينة على الملك، فالقاضي لا يسمع بينته، ولا يقضي له بالملك ما لم يعلم أن العقار المدعى به في يد المدعى عليه، أو يشهد الشهود بذلك لجواز أن المدعي واضع رجلاً حتى يقر بأن العقار المدعى به في يده، فيقضي القاضي بذلك عليه، ويكون بذلك استحقاقاً عليه، وعلى غيره، والعقار في الحقيقة في يد غيره.

وذكر محمد رحمه الله في «شهادات الجامع» : رجل غاب، فجاء رجل وادعى على رجل ذكر أنه غريم الغائب، وأن الغائب وكله بطلب كل حق له على غرمائه بالكوفة والخصومة فيه، والمدعى عليه ينكر وكالته، فأقام المدعي بينته على وكالته، قضى القاضي عليه بالوكالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>