قال شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة دليل على جواز الحكم على المسخر فإنه قال: ادعى على رجل ذكر أنه غريم الغائب، ولم يقل: ادعى على رجل هو غريم الغائب، قال الصدر الشهيد رحمه الله: ولكن هذا عندنا محمول على ما إذا لم يعلم القاضي بكونه مسخراً قبل، وينبغي أن تكون هذه المسألة على روايتين؛ لأن هذا في الحاصل قضاء على الغائب، وفي القضاء على الغائب روايتان، في إحدى الروايتين لا ينفذ؛ لأن نفس القضاء مختلف فيه، وفي الرواية الأخرى ينفذ؛ لأن نقض القضاء ليس بمختلف فيه، وإلى هذا مال شيخ الإسلام رحمه الله، والمسألة في شرح كتاب المفقود.
وكان الشيخ الإمام ظهير الدين رحمه الله يقول في القضاء على الغائب: يفتى بعدم الجواز والنفاذ كيلا يتطرقوا إلى هدم مذهب أصحابنا رحمهم الله، فلو أن القاضي حكم على المسخر، وأمضى قاض آخر صح الإمضاء، ولا يكون لأحد بعد ذلك إبطاله.
إذا قضى القاضي بعين في يدي رجل، والمقضي به ليس في ولايته صح القضاء، ولكن لا يصح التسليم.
صورة المسألة: بخاريّ ادعى داراً على سمرقندي عند قاض بخاري، أن الدار الذي في يديه بسمرقند في محلة كذا إلى أخره ملكي وحقي، وفي يديه بغير حق، وأقام بينة على دعواه، فالقاضي يقضي بالدار للمدعي، ويصح قضاؤه؛ لأن المقضي له والمقضي عليه حاضر إلا أن التسليم لا يصح؛ لأن الدار ليست في ولايته، فكتب إلى قاضي سمرقند لأجل التسليم.
وإذا أمر القاضي إنساناً أن يقضي بين اثنين لم يجز قضاؤه، إلا أن يكون الخليفة أذن للقاضي بذلك؛ لأن القضاء أمر يحتاج فيه إلى العلم والأمانة والرأي، والخليفة بالتفويض إلى هذا القاضي من غير إذن بالاستخلاف رضي بعلمه وأمانته ورأيه، أما ما رضى بغيره، فرق بين القاضي وبين إمام الجمعة، فإن الخليفة إذا فوض إلى إنسان إقامة الجمعة مطلقاً، فاستخلف غيره جاز.
والفرق أن هناك الإذن بالاستخلاف إن لم يوجد نصاً وجد دلالة؛ لأن الخليفة إنما فوض إلىه إقامة الجمعة مطلقاً مع علمه أن العوارض المانعة من إقامة الجمعة نحو المرض، والحدث في الجمعة، وغير ذلك يتوهم مقصور وعلى تقدير التحقق، لا يمكن انتظار إذن الإمام لضيق الوقت، فقد أذن له بالاستخلاف دلالة، أما ها هنا لما لم يوجد الإذن صريحاً لم يوجد دلالة؛ لأن أكبر ما فيه أن العوارض المانعة من القضاء موهوم مقصور في حق هذا القاضي، ولكن انتظار إذن الإمام هنا ممكن؛ لأن تأخير سماع الخصومات ممكن؛ لأنه غير مقدر بوقت، فلهذا افترقا.
وفرق بين القاضي وبين الوصي أيضاً، فإن الوصي يملك التفويض إلى غيره، وإن لم يأذن له الوصي، والفرق أن في حق الوصي الإذن بالتفويض ثابت دلالة أيضاً؛ لأن الوصي إنما يعمل بعد موت الوصي، فإذا أوصي إليه مع علمه أنه قد يعجز على التصرف بنفسه، وعلى تقدير العجز لا يمكنه استطلاع رأيه في التفويض إلى غيره، فقد أذن له