للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتفويض إلى غيره، دلالة أما هنا استطلاع رأي الخليفة، والاستخلاف ممكن للقاضي إن عجز عن القضاء، فلا حاجة إلى إثبات الإذن دلالة بالتفويض إلى غيره فإن كان الخليفة أذن للقاضي في الاستخلاف إما نصاً أو دلالة بأن قال له: ما صنعت من شيء فهو جائز، ملك الاستخلاف؛ لأنه صار راضياً بغيره.

وهو نظير الوكيل بالبيع لا يملك أن يوكل غيره، وإذا أذن الموكل في التوكيل إما نصاً أو دلالة بأن قال له: ما صنعت من شيء، فهو جائز يملك توكيل غيره، إلا أن بين مسألة التوكيل، وبين مسألة القاضي فرق من وجه، فإن الموكل إذا أذن للوكيل أن يوكل فوكل، وقال الوكيل الأول للوكيل الثاني: ما صنعت من شيء فهو جائز، لا يكون للوكيل الثاني أن يوكل غيره.

والخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف، وقال الخليفة: ما صنعت من شيء فهو جائز، كان له أن يستخلف غيره، فلو أن الخليفة لم يأذن له بالاستخلاف، فأمر رجلاً فحكم بين اثنين حتى لم يجز حكمه، ثم إن القاضي أجاز ذلك الحكم ننظر إن كان بحال يجوز حكمه لو كان قاضياً جاز إمضاء القاضي حكمه، وإن كان بحال لا يجوز حكمه لو كان قاضياً ينظر إن كان ممن يختلف فيه الفقهاء، كالمحدود في القذف جاز إمضاؤه ذلك، وإن كان عبداً أو صبياً لم يجز؛ لأن القاضي إذا لم يؤذن في الاستخلاف صار الحال في حقه بعد الاستخلاف كالحال قبل الاستخلاف، وقبل الاستخلاف لو قضى وهو من أهل القضاء توقف نفاذه على إجازة قاض آخر، وإن لم يكن من أهل القضاء لا يتوقف، كذا ها هنا.

ولو أن الخليفة أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلاً، ثم أراد أن يعزله، لم يكن له ذلك إلا إذا كان الخليفة أذن له بالعزل أيضاً، بأن قال: له ولِّ من شئت، واستبدل من شئت.

ولو أذن له في الاستخلاف فاستخلف رجلاً، فهذا القاضي الثاني يصير قاضياً من جهة الخليفة لا من جهة القاضي الأول، حتى لو أراد القاضي الأول أن يعزل الثاني لم يكن له ذلك، إلا إذا قال الخليفة للقاضي الأول: استبدل من شئت.

ولو أن الخليفة أمر القاضي أن يستخلف رجلاً يسمع (٨٠ب٤) من الخصوم ويسمع من الشهود، ويكتب الإقرار، ولا يقطع الحكم، وأمر القاضي رجلاً يقوم بذلك لا يجاوز ذلك، فإن لهذا الرجل أن يسمع من الشهود، ويكتب إقرار من أقر عنده، ويسأل عن الشهود، ثم ينهي ذلك للقاضي، فيكون القاضي هو الذي يحكم بعد أن يعرف صحة ذلك؛ لأن الخليفة لو أمر القاضي أن يسمع من الشهود، ويكتب الإقرار، ولا يقطع الحكم، بل يرفع الأمر إلى الخليفة حتى يحكم الخليفة بنفسه، كان صحيحاً، فكذلك إذا أمره بالاستخلاف على هذا الوجه.

ثم الخليفة إذا رفع الأمر إلى القاضي، فالقاضي لا يقضي بتلك البينة بل يأمر بإحضار المدعي، والمدعى عليه بإحضار الشهود، ويأمر الشهود أن يشهدوا ثانياً عنده بحضرة المدعي والمدعى عليه، فإذا صحت الشهادة عنده قضى بتلك الشهادة، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>