فصلٌ الناس عنه غافلون، فإن نائب القاضي يسمع البينة، ويكتب الإقرار، ويبعث إلى القاضي والقاضي يقضي بذلك، ولا ينبغي له أن يقضي بذلك، وإنما عليه أن يأمر بإعادة البينة، وأن يحضر المقر حتى يقر عنده، ثم يحكم بما يصح عنده، وإن كان الشهود شهدوا عند الخليفة بالحق، ثم غابوا فأعلم الخليفة القاضي بما شهدوا عنده، لهذا على هذا، فالقاضي لا يقبل، ولا يحكم حتى يعيدوا الشهادة عنده.
وكذلك إذا كان المدعى عليه أقر عند الخليفة، ثم جحد بعد ذلك فأخبر الخليفة القاضي بإقراره عنده، فالقاضي لا يقبل ذلك على طريق الشهادة؛ لأنه لو شهد على إقراره غير خليفته مع رجل آخر يقبل ذلك، فخليفته أولى.
وسئل القاضي الإمام شمس الأئمة الأوزجندي رحمه الله عن القاضي إذا سمع الدعوى، ويسمع النائب الشهادة هل يقضي النائب بالشهادة بدون إعادة الدعوى؟
قال: لا إلا أن يأمر القاضي بالحكم بتلك البينة، وسئل أيضاً عن القاضي إذا سمع الدعوى والشهادة ولم يحكم، وأمر نائبه بالحكم، وهو مأذون بالاستخلاف بحكم المثال الصحيح هل يصح هذا الأمر؟ وإذا حكم النائب هل يصح حكمه؟ قال: نعم.
وفي «الفتاوى» عن الفقيه أبي القاسم: أن القضاة على قسمين: قاض قلده قاض ولي بسبب من دفع الرشوة أو الشفعاء، فالأول إذا قضى، ثم رفع بقضيته إلى قاض يرى خلافه، فإنه لا يبطل قضاؤه، وإذا حصل في محل الاجتهاد، والثاني إذا قضى، ثم رفع قضاؤه إلى قاض يرى خلافه له أن ينقضه.
بعض مشايخ زماننا قالوا: إن من تقلد القضاء بالرشوة لا يصير قاضياً، وإذا قضى لا ينفذ حكمه، ولا يحتاج فيه إلى النقض، وأما الذي طلب القضاء بالشفعاء، فهو والذي قلد سواء في حق نفاذ قضائه في المجتهدات.
وإذا كان القاضي مأذوناً بالاستخلاف فحكم خليفته في حادثة، ووقعت الحاجة إلى إثبات حكمه عند القاضي الأصل، ينبغي أن يثبتوا ذلك بشرائط من نفذ، ثم دعوى صحيحة على خصم كما لو ثبتوا قضاء قاض آخر.
ومما يتصل بهذا الفصل
ما ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أن في ظاهر الرواية المصر شرط نفاذ القضاء، وفي «النوادر» ليس بشرط وذكر الخصاف في «أدب القاضي» في باب القاضي يقضي بعلمه: إن المصر شرط نفاذ القضاء وإليه أشار محمد في «الأصل» .
وفي «المنتقى» إشارة عن أبي يوسف إلى أن المصر شرط نفاذ القضاء، فإنه قال: قضاة أمير المؤمنين إذا خرج أمير المؤمنين، فخرجوا معه، فلهم أن يقضوا؛ لأن هؤلاء ليسوا بقضاة أرض إنما هم قضاة الخليفة، فأينما خرج الخليفة فلقضاته أن يقضوا، وإن خرج القاضي وحده، فليس له أن يقضي، وعن أبي يوسف في «الإملاء» أن المصر ليس بشرط، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وكثير من مشايخنا أخذوا برواية «النوادر»