فليس لهم أن يعدلوه، ثم رجع وقال: إذا مكث بينهم سنة، ولم يعرفوا منه إلا الصلاح جاز لهم أن يعدلوه، ومالا فلا؛ لأن الحاجة إلى معرفة حاله بالتجربة، وقد ورد الشرع بتقدير مدة التجربة بالسنة، كما في العين.
يوضحه: أن من الفرائض ما لا يجب إلا بعد كمال الحول، كالزكاة وصوم رمضان، فما لم يحل عليه الحول لا يقفون عليه أنه متهتك أو ممن يراعي حق الله تعالى، في الزكاة والصوم، وروى هشام عن محمد رحمه الله أنه على قدر ما يقع في القلب صلاحه.
ورورى إبراهيم عن محمد أنه قال: من وقت في التزكية فهو مخطئ، وهذا على ما يقع في القلب، ربما يعرف الرجل في شهرين، والآخر لا يعرف في سنة، لأنه يرائي ويتصنع، وهذا القول أشبه بالفقه، وينبغي أن يكون على قياس أبي حنيفة كذلك؛ لأنه يفوض إلى رأي المجتهد في مثله، ولا يقدر فيه بشيء كما في الكثير الفاحش، وفي المدة التي يصير الكلب معلماً فيه.
ولو أن صبياً بلغ، وشهد شهادة، فحكمه حكم هذا الغريب الذي نزل من ظهراني القوم لا يعدلوه حتى يظهر فيها عندهم صلاحه وعدالته، والمدة التي يظهر فيها حاله عندهم، مقدرة على قول أبي يوسف كما بينا، ولا تقدر عند محمد بل هي على ما يقع في القلب؛ لأن العدالة مبناها على توجه الخطاب، حتى يعرف ازدجاره عن محظورات دينه وائتماره بالأوامر، والخطاب إنما توجه عليه الآن.
ولو أن نصرانياً أسلم ثم شهد، فإن كان القاضي عرفه عدلاً في النصرانية يقبل شهادته ولا يبالي، وإن لم يعرفه بالعدالة يسأل فيمن عرفه بالعدالة في النصرانية، ويسعه أن يعدله من غير تأني، وإنما وقع الفرق بين الصبي والبالغ، لما ذكرنا أن العدالة والفسق إنما يعرف بتوجه الخطاب، والخطاب متوجه على النصراني، وإذا رأيناه مزدجراً عما اعتقده محظور دينه، يستدل به على عدالته، فلا يتغير ذلك بالإسلام، فأما الصبي فإنما يتوجه عليه الخطاب بعد البلوغ، ولا يعرف انزجاره عن محظورات دينه قبل ذلك ليستدل به على عدالته، فلا بد من مدة بعد البلوغ ليعرف انزجاره عن محظورات دينه.
وقال بعض مشايخنا: الصبي إذا رهق الحلم، ولم يزل رشيداً حتى بلغ أن شهادته مقبولة، ويسع للمعدل أن يعدله، وإن لم يعرف سنه رشداً إلى أن بلغ، فإنه يتأنى فيه، ويتربص مدة يظهر صلاحه، ويقع في القلب أنه عدل لما ذكر في الغريب، وهذا القائل سوى بين الصبي وبين النصراني في اعتبار العدالة السابقة، وهو اختيار أبي علي النسفي رحمه الله، وجه التسوية: أن النصراني لا شهادة له على المسلم كالصبي، وإنما حدث لهما أهلية الشهادة على المسلمين بالبلوغ والإسلام، ثم لما اعتبر بالعدالة التي قبل الإسلام فلأن يعتبر العدالة التي قبل البلوغ في حق المراهق أولى، وهذا لأن المراهق مأمور بالصلاة، ويؤدب على تركها، ويؤمر بالقضاء إذا أفسدها، وكذلك الصوم وغيرهما من الأحكام المختصة بأهلية الشرائع، ما لم يكن النصراني، ثم لما بنى الحكم على