للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدالة قبل الإسلام، فلأن يبني على العدالة التي للصبي قبل البلوغ أولى، ولكن المشهور ما ذكرنا.

في كتاب «الأقضية» عن محمد رحمه الله في نصرانيين شهدا على نصراني وعدلا في النصرانية، ثم أسلم المشهود عليه، ثم أسلم الشاهدان، فالقاضي لا يقضي بتلك الشهادة؛ لأنهما كافران وقت الأداء، فإن شهدا بذلك بعد الإسلام يعني أعادا شهادتهما بعد الإسلام، فالقاضي يسأل المعدل المسلم عن حالهما؛ لأن ذلك التعديل لم يعتبر حجة على المشهود عليه بعد الإسلام، لكونه تعديل الكافر حتى لو كان ذلك التعديل السابق من المسلمين قضى القاضي بشهادتهما؛ لأن ذلك التعديل وقع معتبراً.

وفي «نوادر هشام» عن محمد رحمه الله، قال: سألت محمداً عن شاهدين مشركين شهدا على مشرك بشهادة، فعدلا فلم يقض القاضي بشهادتهما حتى أسلم المشهود عليه، ثم أسلم الشاهدان، قال: أسأل الشاهدين أن يعيدا الشهادة، قلت: أتسأل عن تعديلهما قال: لا لأنهما عدلا في الشرك، قلت: فمسألة الشاهدين المشركين من المسلمين أو من المشركين، قال: من المسلمين قلت: فإن لم يعرفهما قال: يسأل المسلمون عن العدول من أهل الشرك، ثم يسأل أولئك المشركون عن الشهود.

قال محمد رحمه الله: في رجل ارتكب ما يصير به ساقط الشهادة من الكبائر، ثم تاب، وشهد عند القاضي قبل أن يأتي عليه زمان، لا ينبغي للمعدل أن يعدله، حتى يأتي عليه زمان، وهو على توبته يقع في القلب أنه صحت توبته، وهذا لأن التوبة أمر باطن لا تعرف إلا بدليلها، والامتناع عن ارتكاب الجناية محتمل بين أن يكون على وجه التوبة (وبه) يصير عدلاً، وبين أن يكون لا على وجه التوبة؛ لأن الفاسق لا يداوم على معصية، على سبيل الموالاة، وبه لا يصير عدلاً، فلا بد من انضمام شيء آخر يدل على أن الامتناع على سبيل التوبة، فضممنا مضي مدة، وهو على توبته فيها يقع في قلب المجتهد أنه صح التوبة، وعلى قياس ما روي عن أبي يوسف فيما تقدم ينبغي أن تقدر تلك المدة لسنة أو لستة أشهر.

وإن كان هذا الفاسق شهد وهو فاسق ثم تاب، ومضى عليه زمان، وهو على توبته على نحو ما ذكرنا، فالقاضي لا يقضي بتلك الشهادة بل يأمر بإعادتها، فإن أعادها وعدله المعدل، فالقاضي يقبل شهادته إن كان لم يرد شهادته التي شهدها في حال فسقه، أما قبل الرد إنما يقبل شهادته؛ لأنه طهر شهادته بإخبار المعدل، وأما بعد الرد إنما لا يقبل شهادته؛ لأن بعد رده الشهادة هو متهم في التوبة، لجواز أنه قصد بها تنفيذ شهادته، ورفع ضرر عاد رد الشهادة عن نفسه، وهو في الباطن بخلافه.

ولو أن فاسقاً معروفاً غاب غيبة منقطعة سنة أو سنتين، ثم قدم، ولا يرى منه إلا الصلاح، فشهد عند القاضي، وسأل القاضي العدل عنه، فلا ينبغي للعدل أن يجرحه لما كان رأى فيه من قبل، ولا ينبغي له أن يعدله أيضاً حتى يتبين عدالته، وهو بمنزلة الغريب نزل بين ظهراني قوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>