وكذلك الذمي إذا أسلم، وقد عرف منه ما هو جرح قبل الإسلام لا ينبغي للمعدل أن يجرحه لما رأى فيه من قبل، ولا يعدله أيضاً حتى يظهر عدالته لما مرّ.
قال: ولو أن رجلاً عدلاً مشهوراً بالرضا غاب، ثم حضر وشهد، وسئل المعدل عنه، فإن كانت الغيبة قريبة كان للمعدل أن يعدله؛ لأنه ظهر عدالته، ولم يظهر بخلافه إذ لو كان منه شيء بخلافه لوصل الخبر؛ لأن المدة قريبة، وإن كانت الغيبة منقطعة مسيرة ستة أشهر أو نحوه، فإن كان الرجل مشهوراً بالرضا والعدالة كشهرة أبي حنيفة وابن أبي ليلى، فله أن يعدله، لأنه لم يظهر بخلاف ما عرف منه إذ لو كان منه شيء بخلاف ذلك لتحدث الناس به؛ ولو تحدثوا به لوصل الخبر ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يغيبون، وكانوا لا يبطل حكم عدالتهم وطريقه ما قلنا.
وإن لم يكن الرجل مشهوراً، فالمعدل لا يعدله؛ لأن هذه مدة يجوز أن يتغير المرء بها، وإذا لم يكن مشهوراً فالناس لا يتحدثون بأفعاله وأحواله ليستدل بعدم وصول الخبر على عدم التغيير، وذلك ما إذا كان الرجل معروفاً مشهوراً.
وإذا عدل الشهود عند القاضي، وعرفهم القاضي بالعدالة، فشهدوا مرة أخرى، فإن كان بين التعديل وبين الشهادة الثانية مدة قريبة قضى القاضي بشهادتهم من غير سؤال، وإن طال الزمان، وقادم العهد سأل القاضي عنهم، يريد به على قول من يرى السؤال عن الشهود؛ وهذا لأن الإنسان لا يبقى على صفة واحدة في جميع الأزمان، بل يتغير على ما عليه الغالب، ولا يكون التغيير في زمان قريب وإنما يكون في زمان طويل.
فبعد ذلك اختلف المشايخ فيما بينهم، منهم من قدر الطويل بسنة، وهو قول أبي يوسف آخراً وهو اختيار أبي علي النسفي رحمه الله، ومنهم من قدر الطويل بستة أشهر، وهو قول أبي يوسف أولاً، واختيار الخصاف رحمه الله، ومنهم من قدره بأربعة أشهر، ومنهم من قدره بشهر، ومنهم من كره التقدير، وفوضه إلى رأي القاضي، إن وقع في رأيه بعد الاجتهاد والتأمل أنه تغير في هذه المدة، ورأى هذه المدة طويلة يسأل عنه، وإن وقع في رأيه أن لم يتغير في هذه المدة، ورأى هذه المدة قريبة لا يسأل عنه، وهذا القول أشبه بأصول أصحابنا رحمهم الله، وهو مروي عن محمد رحمه الله.
وإن عرف المزكي الشهود بالعدالة، غير أنه علم أن دعوى المدعي كان باطلاً، وأن الشهود أوهموا في بعض الشهادة، فينبغي أن يبين للقاضي بما صح عنده من عدالة الشهود، وإيهامهم في الشهادة أو بطلان دعوى المدعي، فالعدل قد ينسى، وقد يغلط، والمزكي قد يقف على بطلان دعوى المدعي بما يعترض على أصل سبب الاستحقاق من الإبراء أو الإيفاء في الديون، أو تلقي صاحب اليد الملك من المدعي أو ما أشبه ذلك، والشاهد لا يعرف ذلك، ويشهد بناء على ما عاين من سبب الاستحقاق، وبهذا لا تسقط عدالته (٨٢ب٤) فلهذا قال: يذكر عدالة الشهود وبطلان دعوى المدعي.
ثم القاضي يتفحص عما أخبره المزكي غاية التفحص، فإن تبين له حقيقة ما أخبره المزكي رد شهادة الشهود، وإن تبين له حقيقة ما أخبره المزكي قبل شهادة الشهود؛ ولأنه