وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: شاهدان شهدا عند القاضي والحاكم يعرف أحدهما بالعدالة ولا يعرف الآخر فزكاه المعروف بالعدالة، قال بصير: لا يقبل تعديله وعن ابن سلمة روايتان. وعن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله في ثلاثة شهدوا عند الحاكم وهو يعرف اثنين ولم يعرف الثالث، فعدله الإثنان، قال: يجوز تعديلهما إياه في شهادة أخرى ولا يجوز في هذه الشهادة بأنه موافق لقول بصير وبه يفتى.
وفي «النوازل» : إذا سأل المعدل عن الشاهد، فسكت فهو جرح وهذا ظاهر؛ لأن الإنسان لا يمتنع لإظهار ما هو حسن، وإنما يمتنع عن إظهار ما هو قبيح وهذا هو الظاهر من حال المسلم.
وفيه أيضاً: الشاهد إذا كان في السر فاسقاً وفي الظاهر عدلاً، فأراد القاضي أن يقضي، فأخبر عن نفسه أنه ليس بعدل صح إقراره على نفسه، ولكن لا يسعه ذلك الكلام في ذلك الوقت؛ لأنه يتضمن إبطال حق المدعي وهتك ستر نفسه، وإذا سأل القاضي المعدل عن حال الشهود، فأخبره بما علم من حالهم، ثم أراد أن يسأل عن غيره، فلا ينبغي له أن يعلم أنه سأل غيره عن حالهم؛ لأنه متى أعلم بذلك ربما يعتمد الثاني على قول الأول فيتهاون بالسؤال، ولا يبالغ في التفحص.Y
وإذا اختلف أصحاب المسائل في الجرح والتزكية، فحاصل الجواب في هذا الفصل أن المخبر بأحد الأمرين إذا كان المثنى والمخبر بالأمر الآخر الواحد، فالقاضي يأخذ بقول المثنى تزكية كان أو جرحاً؛ لأن قول المثنى حجة مطلقة، يعني به في جميع الأحوال، وقول الواحد ليس بحجة مطلقاً فلا يعارض قول المثنى، وإن كان من كل واحد من الجانبين ما هو حجة مطلقة بأن كان من كل واحد (من) الجانبين مثنى فالترجيح للجارح، لأن الجارح مثبت والمعدل ناف فإنه يقول لا أعلم فيه إلا خيراً؛ ولأن المعدل اعتمد ظاهر الحال، فإن ظاهر حال المسلم العدالة، والجارح وقف على أمر بخلاف الظاهر خفي عن المعدل، والقاضي إنما يسأل ليقف على خلاف الظاهر وذلك في خبر الجارح، وكذلك إذا كان من أحد الجانبين مثنى ومن الجانب الآخر عشرة رهط، أو فوقها أو دونها لكنها فوق المثنى كان الترجيح للجارح؛ لأن المثنى حجة متكاملة والزيادة عليها فضل، ألا ترى أن في باب المال جعلنا الزيادة على المثنى فضلاً، كذا هاهنا، وإذا كانت الزيادة على المثنى فضلاً صار كأن من كل جانب مثنى، وإن كان من كل جانب رجل واحد أعاد المسألة من غيرهما هكذا اذكر المسألة في الأصل.
وفي «الأقضية» : إذ ليس من كل جانب حجة وتعذر على القاضي الحكم، فيسأل عن غيرهما رجلان ينضم إلى المخبر من أحد الجانبين ما يتم به الحجة، فيترجح الجارح وإن استكشف القاضي منهما يعني من المعدل ومن الجارح الأول، فيقول للمعدل بأي سبب عدلته ويقول للجارح: بأي سبب جرحته، فهو حسن؛ لأن أسباب الجرح مما يختلف فيه فلعل هذا الجارح اعتمد سبباً لا يكون الجرح عند القاضي والمعدل اعتمد سبباً لا يكون سبب تعديل عند القاضي، فيسأل القاضي حتى يعمل فيه برأيه.