للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما ذكر من الجواب فيما إذا كان من كل جانب واحد أن القاضي أعاد المسألة عليها ظاهر على قول محمد رحمه الله، لأن العدد في المزكي شرط عنده، فإذا كان من كل جانب واحد لم يثبت واحد منهما لا العدالة ولا الجرح فيتوقف القاضي كشاهد واحد شهد عند القاضي فإن القاضي يتوقف إلى أن يشهد شاهد آخر كذا هاهنا، وأما على أصل أبي حنيفة وأبي يوسف مشكل؛ لأن عندهما العدد في المزكي ليس بشرط، فتتم الحجة من الجانبين، فينبغي أن يكون الجرح أولى، كما لو كان من كل جانب مثنى، عامة المشايخ على أن المذكور في الأصل والأقضية قول محمد رحمه الله، فأما على قولهما فالجرح أولى هكذا ذكر في «المنتقى» .

وصورة ما ذكر في «المنتقى» إذا زكى الشهود واحد وجرحه واحد، قال أبو حنيفة وأبو يوسف الجرح أولى، وقال محمد: الشهادة موقوفة على حالها حتى يجرح آخر أو يعدل آخر، ومن المشايخ من قال: ما ذكر في «الأصل» و «الأقضية» قول الكل وهذا القائل يقول: في المسألة روايتان عنهما، ويفرق هذا القائل على قولهما بينما إذا كان من كل جانب واحد، وبينما إذا كان من كل جانب اثنان على رواية «الأصل» .

ووجه الفرق: أن الاثنين مما تتم بهما الشهادة، فإذا كان من كل جانب اثنين فقد بلغ كل فريق حد الشهادة وفي الجرح معنى الإثبات، وفي التعديل معنى النفي، والشهادة شرعت للإثبات لا للنفي، فرجحنا الجرح للتعديل لهذا، أما الواحد مما لا تتم به الشهادة بل كلامه خبر، والنفي والإثبات يستويان في الخبر، فلا يمكن ترجيح الجرح فيستقبل القاضي السؤال استقبالاً، فإذا سأل القاضي عن الشهود وطعن فيهم لا ينبغي للقاضي أن يصرح للمدعي بأن شهودك جرحوا، بل يقول له: زد في شهودك أو يقول له لم يجد شهودك ليكون ذلك أقرب إلى السنن، فإن قال المدعي أنا آتي بمن يعدلهم ويسمي قوماً يصلحون للمسألة، فإن القاضي يسمع ذلك منه ويسألهم. ذكر المسألة في «العيون» وفي «أدب القاضي» ، فإن عدلهم ذلك القوم سأل القاضي الطاعنين بما طعنوا فيهم؛ لأنه يجوز أنهم طعنوا بما لا يصلح وجه الطعن عند القاضي والمدعي، فإن بينوا ما هو جرح عند الكل كان الجرح أولى، وإن بينوا سبباً لا يصلح للطعن عند القاضي لا يلتفت إليهم ويقبل شهادة الشهود وكذلك لو عدلهم المزكي فطعن الشهود عليه، وقال القاضي: اسأل فلاناً وفلاناً سمى قوماً صالحين للمسألة يسأل عنهم، فإن جرحوا وبينوا سبباً صالحاً، فالجرح أولى هكذا ذكر في «العيون» وفي «أدب القاضي» أيضاً.

وفي «نوادر ابن سماعة» : قلت لمحمد رحمه الله إذا سأل القاضي في السر عن الشهود فلم يعدلوا ثم أتاه المشهود له بالمعدلين في العلانية، قال لا يقبل ذلك منه، وهذه الرواية تخالف رواية «العيون» وبه يفتى؛ لأن العبرة لتزكية السر ويتمكن تهمة المواضعة بينهم؛ ولأن في التفحص عن ذلك إشاعة الفاحشة وتهييج العداوة بينهم....

<<  <  ج: ص:  >  >>