للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله إذا عدل الشاهد (٨٤أ٤) في السر فقال المشهود عليه أنا أجيء بالبينة في العلانية أنه صاحب كذا وكذا ... ، إذا كان كذلك لا تقبل شهادته، فإنى لا أقبل ذلك من المدعي، إذا عدل الشاهد في السر أشار إلى أن العبرة لتزكية السر وإنه يخالف رواية «العيون» أيضاً.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد أيضاً قلت: لمحمد رحمه الله أما من القاضي المشهود له أن تأتيه من يعدل شهوده، قالا: لأن العبرة لتزكية السر ولتمكن التهمة في حق من يعدل الشاهد بأمر المشهود عليه، فلعله واضعه على ذلك ولا تهمة في حق مزكي القاضي.

وإذا شهد شاهدان على رجل بمال فقال المشهود عليه: هما عبدان، وقال الشاهدان: نحن أحرار الأصل لم نملك قط، فالقاضي لا يقبل شهادتهما حتى يعلم أنهما حران.

روى ابن سماعة عن أبي حنيفة رحمهم الله أنه قال: الناس أحرار إلا في أربع مواضع: الشهادة والحدود والقصاص والعقل، ونحوه ورد عن عمر رضي الله عنه.

صورته في الشهادة ما ذكرنا.

صورته في الحد: رجل قذف إنساناً وزعم القاذف أن المقذوف عبد، فالقاضي لا يحد القاذف حتى يعلم حرية المقذوف.

صورته في القصاص: رجل قطع يد إنسان وزعم القاطع أن المقطوعة يده عبد، فالقاضي لا يقطع يد القاطع حتى يعلم حرية المقطوعة يده.

صورته في العقل: رجل قتل رجلاً خطأً، وزعم العاقلة أن المقتول عبد، فالقاضي لا يقضي على العاقلة بالدية حتى يعلم حرية المقتول، وهذا كله إذا لم تكن حرية الشاهدين وحرية المقذوف وحرية المقطوع والمقتول معلومة للقاضي بيقين بأن كانوا مجهولين في النسب، ولم يعاين القاضي إعتاقهم من جهة أحد، فأما إذا كانت معلومة للقاضي يتعين بأن عرف حرية أبويهم من الأصل أو عرف حريتهم بالإعتاق، فالقاضي لا يلتفت إلى طعنهم؛ لأنه عرف كذبهم في طعنهم بيقين، فإن سأل القاضي عن الشهود وأخبر المزكون أنهم أحرار الأصل أجزت شهادتهم، ولم أكلفهم البينة، أشار إلى أن الإخبار عن حرية الشهود يكفي للعمل بالشهادة، هكذا ذكر في «كتاب الأقضية» ، وهذا لأن القاضي لا يحتاج إلى القضاء بالحرية؛ لأن ذلك إنما يكون بعد ثبوت الرق، والرق غير ثابت وإنما يحتاج إلى ما يعرف به أن شهادتهم حجة، فصارت الحرية كالعدالة ثم العدالة تثبت، بالإخبار فكذا الحرية.

وذكر في شهادات «الأصل» : أن القاضي إذا اكتفى بالإخبار فحسن وإن طلب على ذلك بينة فهو أحب وأحسن؛ لأن الحاجة إلى معرفة الحرية فوق الحاجة إلى معرفة العدالة؛ لأن أهلية الشهادة لا تثبت بدون الحرية وتثبت بدون العدالة؛ ولأن الحرية

<<  <  ج: ص:  >  >>