أخذت سببها من أصلين مختلفين من العدالة، باعتباراتها من أسباب قبول الشهادة ومن الملك باعتبار أنه تجري فيها الخصومة وفيها حق العباد، فلشبهها بالعدالة قلنا بأنها تثبت بمجرد الإخبار ولشبهها بالملك، قلنا بأن الإثبات بالبينة أولى؛ لأن الحرية تصير مقضياً بها.
ولو جاء إنسان وادعى رقبة هذا الشاهد بعد ذلك لا ذكر لهذه المسألة في الكتب، قال فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله وفيه شبهه يجب أن لا يسمع إذا قام البينة على حرية ويسمع إذا لم يقم.
ثم إن أصحابنا رحمهم الله فرقوا بين فصل الشهادة وبينما عداها من الفصول وهو فصل الحد والقصاص والقتل. فقال: في فصل الشهادة: إذا أخبر المزكون بحرية الشهود فالقاضي يجيز شهادتهم ولم يشترط إقامة البينة، وقال في الفصول الثلاث القاضي لا يقضي بالحد والقصاص والعقد ما لم يقم البينة على الحرية.
والفرق أن الحرية من أسباب قبول الشهادة وليست من حقوق العباد التي تدخل تحت القضاء، فكانت كالعدالة ثم العدالة تثبت بالسؤال فكذا الحرية، فأما الحد والقصاص والعقل من الحقوق التي تدخل تحت القضاء، فلما لا يمكن إثباتها إلا بالبينة فكذا في الحرية التي لا يجب حد القذف ولا يجب العقل والقصاص؛ لأنها لا يمكن إثباتها إلا بالبينة، هذا إذا قال الشهود: نحن أحرار، فأما إذا قالوا: كنا عبيد فلان أعتقنا قاض لا يقضي بشهادتهم حق تقوم البينة على العتق، بخلاف الفصل الأول.
والفرق أنهم إذا قالوا: كنا عبيد فلان فقد أقروا على أنفسهم بالرق، وإقرارهم حجة عليهم، فيثبت الرق عليهم بإقرارهم فيحتاج القاضي بعد هذا إلى القضاء بالعتق، والقضاء بالعتق لا يكون إلا بالبينة فأما في الفصل الأول، فالرق لم يثبت، فلا حاجة إلى القضاء بالعتق، وإنما الحاجة إلى ما يعرف به أن شهادتهم هل صارت حجة؟ والتقريب ما ذكرنا، وكذلك إذا قال الشهود: نحن أحرار الأصل، وقال المزكون: كانوا عبيداً لفلان أعتقهم، فالقاضي لا يقضي بشهادتهم حتى تقوم البينة على العتق؛ لأن الرق قد ثبت عليهم بإخبار المزكين، فيحتاج القاضي إلى القضاء بالعتق والتقريب ما ذكرنا.
وإن أقام المشهود له بينة على المشهود عليه أن فلاناً أعتقهم وهو يملكهم، وقضى القاضي بعتقهم كان ذلك قضاء على العتق، حتى لو حضر وأنكر الإعتاق لا يحتاج إلى إقامة البينة عليه؛ لأن المشهود عليه انتصب خصماً عن المولى؛ لأن المشهود له ادعى حرية الشاهد على المشهود عليه، وقد صح منه هذا الدعوى؛ لأنه لا يتمكن من إثبات حقه على المشهود عليه إلا بها والمشهود عليه أنكر ذلك وصح منه الإنكار؛ لأنه لا يتمكن من دفع الشهود عن نفسه إلا بإنكار الحرية.
والأصل أن من ادعى حقاً على الحاضر لا يتوصل إلى إثباته إلا بإثبات سببه على الغائب، ينتصب خصماً عن الغائب فصار إقامة البينة على المشهود عليه كإقامتها على المولى الغائب.
وإذا شهد الشهود على رجل بمال أو دم فطعن فيهم المدعى عليه، فالقاضي لا