يقضي بشهادتهم حتى يسأل عنهم، فإن سأل عنهم وزكوا في السر والعلانية، فأراد القاضي أن يقضي بشهادتهم، فقال المشهود عليه أنا أجرحهم وأقيم البينة على ذلك، فهذه المسألة على وجهين:
الأول أن يقيم البينة على جرح مفرد لا يدخل تحت حكم الحاكم، وهو أن يقيم البينة على أنهم فسقة أو رماة، وعلى إقرارهم أن المدعي استأجرهم على هذه الشهادة أو على إقرارهم، أنهم قالوا: لا شهادة للمدعي على المدعى عليه قلنا في هذه الحادثة أو على إقرارهم أنهم قالوا: شهدنا بالزور أو على إقرارهم أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه هذا الأمر، وفي هذا الوجه القاضي لا يقبل هذه الشهادة عندنا خلافاً لابن أبي ليلى والشافعي رحمهما الله.
الوجه الثاني: أن يقيم البينة أن الشهود زنوا ووصفوا أو يقيم بينة أنهم سرقوا مني كذا، أو شربوا الخمر، أو أنهم شركاء في المشهود به، أو أنهم صالحوني على كذا درهماً حتى لا يشهدوا علي ودفعت ذلك إليهم، أو أنهم عبيد أو محدودون في القذف، أو على أن المدعي أقر أن الشهود شهدوا بزور، أو على أن المدعي أقر أنه استأجرهم على هذه الشهادة أو على إقراره أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه هذا الأمر، وفي هذا الوجه القاضي يقبل هذه الشهادة بالاتفاق.
وجه قول ابن أبي ليلى: أن هذه شهادة قامت على الجرح، والمدعي قد يحتاج إلى إثباته بالبينة ليدفع خصومة المدعي عن نفسه، وجب أن يقبل قياساً على وجه الثاني.
ولعلمائنا رحمهم الله في المسألة طرق وأصحها وأوضحها ما اختاره القاضي الإمام صاعد النيسابوري، والشيخ الإمام شيخ الإسلام خواهر زاده، والصدر الشهيد رحمهم الله، وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب التزكية أن الشاهد بالشهادة على الجرح المفرد صار فاسقاً؛ لأنه ارتكب كبيرة ألحق بفاعلها الوعيد في الدنيا والآخرة بنص القرآن؛ لأنه أظهر. قال الله تعالى:{إن الذي يحبون أن تشيع الفاحشة}(النور: ١٩) ، علم أن الشاهد صار فاسقاً والمشهود به لا يثبت بشهادة الفاسق، فإن قيل: في إثبات إظهار الفاحشة ضرورة، وهي دفع الخصومة عن المدعي، وصار كالوجه الثاني.
قلنا: لا ضرورة، لأنها تندفع بقولهم سراً للقاضي أو للمدعي من غير أن يظهر ذلك في مجلس الحكم. وهذا بخلاف ما لو شهدوا أنهم.... وصفوا الزنا؛ لأن في إظهار الفاحشة هناك ضرورة وهو إقامة الحد واسترداد المسروق، بخلاف ما إذا شهدوا أنهم شركاء في المشهود به؛ لأنه ليس في ذلك إظهار الفاحشة من جانب الشهود، وإنما فيه حكاية ظهور الفاحشة من غيرهم وهم شهود القذف أو القاضي والحاكي لإظهار الفاحشة، لا يكون يظهر الفاحشة فلم يصيروا فسقة وبخلاف ما إذا شهدوا على إقرار المدعي أنهم فسقة، وما شاكله؛ لأنهم بشهادتهم ما أظهروا الفاحشة إنما حكوا إظهار