للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاحشة من غيره وهو المدعي، فلم يصيروا فسقة، بخلاف ما إذا أقام البينة أنهم صالحهم على كذا، حتى لا يشهدوا عليه ودفع ذلك إليهم؛ لأنهم وإن أظهروا الفاحشة وكان فيه ضرورة ليصل إلى المال حتى لو قال: لم أعطهم لم يقبل؛ لأن فيه إظهار الفاحشة من غير ضرورة.

ثم المدعى عليه إذا أقام البينة أن شاهد المدعي محدود في القذف فالقاضي يسأل الشهود من حده هكذا ذكر في حدود «الأصل» ؛ لأن إقامة حد القذف إن حصل من السلطان (٨٤ب٤) أو من نائبه تبطل شهادته، وإن حصل من واحد من الرعايا بغير إذن السلطان لا تبطل شهادته، فلا بد من السؤال عن ذلك.

وإن قالوا حده قاضي كوة كذا، فالقاضي هل يسأله في أي وقت حده؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الأصل» .

في «كتاب الأقضية» : أن القاضي يسأل ليعلم أنه هل كان قاضياً في ذلك الوقت، فإن قال المشهود عليه بحد القذف: أنا أقيم البينة على إقرار ذلك القاضي أنه ما حدني ولم يؤقت واحدة من البينتين وقتاً، فإن القاضي يقضي بكونه محدوداً في القذف. ولا يمتنع القاضي من القضاء بكونه محدوداً في القذف، بسبب بينة الإقرار لوجهين: أحدهما أن العمل بالبينتين ممكن إذا لم يوقت واحدة من البينتين، وما يحمل بينة الإقرار، على ما قبل إقامة الحد وبينة إقامة الحد تحمل على ما بعد الإقرار، كان القاضي أقر قبل إقامة الحد أنه لم يحده حد القذف، ثم أقام عليه الحد بعد ذلك ومهما أمكن العمل بالبينتين لا يعطل واحدة منهما.

والثاني: أن البينة على الإقرار قامت على النفي من حيث المقصود؛ لأن المقصود من إثبات هذا الإقرار على القاضي نفي شهادة اللذين شهدا عليه لا بموت حكم آخر، فكانت هذه البينة باعتبار المقصود قائم على النفي، والبينة على النفي لا تقبل، فصار وجوده وعدمه بمنزلة، فإن كان شهود القذف قد وقتوا وقتاً بأن شهدوا أن قاضي بلد كذا حده حد القذف سنة سبع وخمسين وأربعمائة، فأقام المشهود عليه البينة أن ذلك القاضي مات سنة خمسة وخمسين وأربعمائة، وأقام البينة أنه كان غائباً في أرض كذا سنة سبع وخمسين، فإن القاضي يقضي بكونه محدوداً في القذف، ولا يلتفت إلى بينته ولا تجيء في هذه المسألة الطريقة الأولى الذي ذكرناها في المسألة الأولى، من إمكان العمل بالبينتين؛ لأن العمل بالبينتين غير ممكن وإنما تجيء الطريقة الأخرى، وهو أن بينة المشهود عليه من حيث المعنى قائمة على النفي؛ لأن المقصود من إثبات موت القاضي قبل ذلك، ومن إثبات الغيبة نفي شهادة الشهود الذين شهدوا عليه لا حكم آخر يثبت بالغيبة، فكانت بينة المشهود عليه باعتبار المقصود قائمة على النفي، والبينة على النفي غير مقبولة، فصار وجود هذه البينة وعدمه بمنزلة، إلا أن يكون أمراً مشهوراً في ذلك فحينئذ لا يقضي بكونه محدوداً في قذف، بأن كان موت القاضي قبل الوقت الذي شهد الشهود بإقامة الحد فيه مستفيضاً ظاهراً فيما بين الناس علمه كل صغير وكبير، وكل جاهل

<<  <  ج: ص:  >  >>