بالإتلاف، فرأى القاضي أن يضع العبد على يدي عدل يضعه صيانة لحق المدعي، وكذلك إذا كان المدعى عليه فاسقاً معروفاً بالفجور مع الغلمان يخرجه القاضي عن يده ويضعه على يدي عدل بطريق الأمر بالمعروف، ولكن هذا لا يختص بالدعوى والبينة بل في كل موضع كان صاحب الغلام معروفاً بالفجور مع الغلمان يخرجه القاضي عن يده ويضعه على يدي عدل بطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إذا وضعه على يدي عدل أمره أن يكتسب وينفق على نفسه إذا كان قادراً على الكسب، ولم يذكر مثل هذا في الأمة؛ لأنها عاجزة عن الكسب عادة حتى لو كانت الأمة قادرة على الكسب بأن كانت غسالة معروفة بذلك، أو خبازة توصى بالكسب أيضاً، ولو كان العبد عاجزاً عن الكسب لزمنه أو صغره يؤمر المدعى (٨٥ب٤) عليه بالنفقة، فإذاً لا فرق بين الأمة وبين العبد، هكذا حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي وأبي اسحق الحافظ.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: رجل ادعى جارية في يدي رجل أنها له، وأقام على دعواه بينة وزكت بينته، وقد كان القاضي وضعها في يدي عدل وهرب المدعى عليه، قال: أمر الذي بقي على يديه يعني العدل أن يؤاجرها وينفق عليها من أجرها، فإن كان لا يؤاجر مثلها آمر به أن يستدين بالنفقة عليها، فإذا حصل اليأس الناس من صاحبها أمرت ببيعها، فبدأت من الثمن بالدين فأديته ووقفت الباقي من الثمن، فإذا جاء الذي كانت في يديه قضيت عليه بقيمة الجارية لأني بعتها على الذي كانت في يده، فإن كان على المقضي عليه دين فمستحق الجارية أحق بهذا الثمن من الغرماء لأنها بمنزلة الرهين حين وضعها القاضي على يدي عدل.
دابة أو ثوب في يدي رجل ادعاها آخر، وأقام بينة وطلب المدعي من القاضي أن يضعه على يدي عدل لم يجبه القاضي إلى ذلك؛ لأن فيه قصر يد المدعى عليه من غير حجة، فلا يشتغل القاضي به إلا لضرورة، ولا ضرورة في هذه الأشياء على ما مر في العبد، ولكن القاضي يأخذ من العدل عليه كفيلاً بنفسه وبما وقع فيه الدعوى، ويجعل الكفيل بالنفس وكيلاً بالخصومة إذا طابت نفس المدعى عليه وقد مر هذا، ولا يجبر ذو اليد على نفقته عندنا بخلاف الرقيق والخلاف في موضعه قد عرف.
وإن قال المدعى عليه: لا كفيل لي قيل للمدعي: الزم المدعى عليه والمدعى به آناء الليل والنهار لتصون به حقك، فإن كان الذي في يده فاسقاً مخوفاً على ما في يده وأبى أن يعطيه كفيلاً وكان المدعي لا يطيقه في الملازمة، فالقاضي يقول للمدعي: أنا لا أجبر المدعى عليه على أن ينفقه لكن إن شئت أن أضعه على يدي عدل فأنفق عليه، وإلا لا أضعه، لأن المقصود من الوضع على يد العدل صيانة لحق المدعي وهو القضاء له بالعبد متى زكت شهوده، وهذا المقصود يفوت متى أبى المدعي الإنفاق؛ لأن المدعى عليه لا يجبر على إنفاقه، وإن كان هو المالك في الظاهر فلو لم ينفق المدعي على الدابة تتلف الدابة فلا يحصل مقصود المدعي من الوضع على يدي العدل.