للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى في ذلك الحاجة، فإن الإنسان قد يكون غائباً والشهود حضور ويتعذر عليه الجمع بين الشهود والخصم لما أنه لا يمكنه إحضار الشهود بلد الخصم، ولا يمكنه نقل الشهود إلى الخصم، فلا يمكنه أن يصل إلى حقه بالشهادة على الشهادة؛ لأن قاضي تلك البلدة عسى لا يعرف عدالة الأصول، وعسى لا يجد هناك من يعدل الأصول، وفي تعديل الفروع الأصول كلام على ما يأتي بيانه في موضعه، فلو لم يقبل كتاب القاضي إلى القاضي لنقل الشهادة وإثبات عدالتهم لتعطلت الحقوق وضاعت فقبلناه صيانة للحقوق عن الضياع والبطلان، ولكن إنما يقبله القاضي المكتوب إليه عند وجود الشرائط، ومن جملة الشرائط البينة، حتى إن القاضي المكتوب إليه (٨٨أ٤) لا يقبل كتاب القاضي ما لم يثبت عنده بالبينة أنه كتاب القاضي، به ورد الأثر عن علي رضي الله عنه.

والمعنى في ذلك أن كتاب القاضي لا يخلو عن نوع احتمال لما ذكرنا أن الخط يشبه الخط، فلا يجوز العمل به ما لم ينتف هذا الاحتمال وذلك بالبينة، ولأن كتاب القاضي يقع ملزماً في حق المكتوب (إليه) حتى يلزمه العمل به، وإذا عمل به وقضى على المدعى عليه بما فيه يلزمه ذلك، واللزوم يعتمد الحجة والحجة هي البينة، وبهذا يقع الفرق بين كتاب القاضي وبين كتاب المزكي إلى القاضي، فإن في كتاب المزكي إلى القاضي لا يحتاج إلى البينة، لأنه ليس في كتاب المزكي إلزام، فالقضاء مضاف إلى شهادة الشهود لا إلى التزكية، إنما التزكية لنوع رجحان الصدق، ولهذا لو قضى القاضي بالشهادة بدون التزكية صح قضاؤه، وبه يقع الفرق أيضاً بين كتاب القاضي وبين كتاب ملك أهل الحرب، إذا طلب الأمان فيه فإنه مقبول بغير البينة حتى لو أمنه الإمام صح أمانُه؛ لأن كتاب أهل الحرب ليس بملزم؛ لأن للإمام رأياً في الأمان وتركه.

ومن جملة ما عمل فيه بالقياس الحدود والقصاص، حتى لم يجوزوا كتاب القاضي إلى القاضي في المعاملات (إلا) بالأثر والإجماع، ولا أثر ولا إجماع في الحدود والقصاص، فبقي على أصل القياس.

ومن جملة ما عمل فيه بالقياس المنقولات نحو العروض والثياب والعبيد والجواري، على قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف، وقال: يجوز في العبيد في الإباق، ولا يجوز في غيرهم، وعنه رواية أخرى أنه يجوز في جميع المنقولات، وبه أخذ بعض المتأخرين من مشايخنا. وحكي عن القاضي الإمام المنتسب إلى إسبيجاب أنه كان يفتى به، وأجمعوا على أنه يجوز كتاب القاضي إلى القاضي في العقار والديون.

فوجه قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول، وهو الفرق بين الديون وسائر المنقولات: أن في الدين توهُّم الشركة تمكَّن في موضع واحد وهو المقضي عليه؛ لأنه ربما يتفق رجلان بذلك الاسم والنسب، أما لم يتمكن في المقضي به وهو الدين؛ ولا في المقضي له وهو المدعي، فإن كل واحد منهما معلوم، ويمكن الشركة في المقضي عليه حالة العذر إذا كان المقضي له والمقضي به معلوماً لا يمنع القضاء، ألا ترى أن حوالة المقضي عليه لا تمنع القضاء حالة العذر إذا كان المقضى به والمقضى له معلوماً كما لو

<<  <  ج: ص:  >  >>