شهد شاهدان على رجل أنه طلق إحدى امرأتيه قبل الدخول ومات قبل البيان، فإنه يقضي بسقوط نصف المهر مع أن المقضي عليه بسقوط نصف الصداق مجهول أنها زينب أو عمرة لما كان المقضي له معلوماً وهو الزوج والمقضي به معلوماً وهو نصف الصداق.
والمعنى في ذلك كله أن المقضي به والمقضي له إذا كان معلوماً كان الرجحان لجانب العلم والعبرة للراجح في الأحكام، فأما في عين العبد فتوهم الشركة تمكن في موضعين، أحدهما: في المقضي به، وهو العبد، فإنه يتفق اثنان من العلماء في الاسم والنسب والحلية، وفي المقضي عليه، وهو الذي في يديه العبد، فكان الرجحان لجانب الجهل فيمنع القضاء.
ألا ترى أن تمكن الجهالة في موضعين مانع من القضاء، وإن كان الحال حال عذر بأن كان لرجلين عبدان، لكل واحد منهما عبد على حدة قال أحدهما: إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم فعبدي حر وقال الآخر: إن دخل فلان الدار اليوم فعبدي حر، ومضى اليوم ولا يدرى أنه دخل أو لم يدخل وكل واحد ينكر شرط الحنث، فالقاضي لا يقضي بعتقهما ولا بعتق أحدهما؛ لأن المقضي عليه وهو أحد الموليين مجهول والمقضي به وهو أحد العينين كذلك، فيترجح جانب الجهل على جانب العلم فيمنع القضاء، كذا هنا وبل أولى؛ لأن قطع الشركة في المقضي به * وهو العبد * بالإشارة إليه ممكن؛ لأن العبد يمكن إحضاره مجلس الحكم بخلاف العقار حيث يجوز فيه كتاب القاضي، وإن كان يوهم الشركة ثمة في موضعين أيضاً؛ لأنه قد يتفق محدودان بحد واحد، وفي المقضي عليه؛ لأنه قد يتفق رجلان بالاسم والنسب؛ لأن قطع هذه الشبهة بالإحضار غير ممكن؛ لأنه لا يمكن إحضار العقار، فسقط اعتبار الجهالة في المقضي به بالإحضار، فكأن الشركة ما تمكنت إلا في موضع وهو المقضي به، وإنها غير مانعة كما في الدين.
وجه ما روي عن أبي يوسف: أنه يجوز كتاب القاضي في العبيد في الإباق أن القياس أن لا يكتب في العبيد كما في سائر المنقولات، كما قلتم: إن توهم الشركة تمكن في موضعين إلا أنا تركنا القياس في العبيد (في) الإباق للضرورة؛ لأن الإباق مما يكثر من العبيد، وربما لا يكون للمولى شهود في البلدة التي فيها العبد، لو لم يُجز كتاب القاضي تبطل حقوق الناس.
مثل هذه الصورة لا تتحقق في الجواري والدواب، لأن الإباق من الجواري لا يكثر، وكذلك الند من الدواب من بلدة إلى بلدة لا تكثر، فيعمل فيهن بقضية القياس.
وذكر محمد رحمه الله في كتاب الإباق مسألة تدل على أن كتاب القاضي إلى القاضي في النقليات جائز، فإنه ذكر أنه إذا أخذ عبداً آبقاً أو جاريةً إلى القاضي، وأقام البينة على أنه وجده آبقاً، فأخذه وطلب من القاضي أن يفرض نفقته على مالكه، فإن علم القاضي أن المصلحة في بيع هذا العبد وحفظ ثمنه على مالكه فعل ذلك، فإذا باعه وأمسك ثمنه، فجاء مالكه وأتى بكتاب القاضي ليأخذ الدراهم الثمن كان له ذلك، فقد جوز كتاب القاضي في الدراهم الثمن، وإنه منقول.